الآيات المتقدمة بطريق الحث عليها والاشتغال بعبادة الله لا يصح إلا بعد معرفة الله، لا جرم عقّبها بذكر ما يدل على وجوده، واتصافه بصفات الجلال والوحدانية، فذكر أنواعاً من الدلائل: منها تقلب الإنسان في أدوار خلقته وهي تسعة:
أولها: قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} قال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومقاتل: المراد بالإنسان آدم - عليه السلام - سُلَّ مِنْ كُلِّ تُرْبَةٍ، وخُلقتْ ذريته من ماء مهين.
وقيل: الإنسان اسم جنس يقع على الواحد والجميع، والسلالة هي الأجزاء الطينية المبثوثة في أعضائه التي لما اجتمعت وحصلت في أوعية المني صارت منياً، وهذا مطابق لقوله تعالى:{وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ}[السجدة: ٧ - ٨] .
قال ابن الخطيب: وفيه وجه آخر: وهو أنّ الإنسان إنما يتولد من النطفة، وهي إنما تتولد من فضل الهضم الرابع وذلك إنما يتولد من الأغذية، وهي إما حيوانية أو نباتية، والحيوانية تنتهي إلى النباتية، والنبات إنما يتولد من صفو الأرض والماء، فالإنسان في الحقيقة يكون متولداً من سلالة من طين، ثم إن تلك السلالة بعد أن تواردت عليها أطوار الخلقة وأدوار الفطرة صارت منياً.
(قوله) : «مِنْ سُلَالَةٍ» فيه وجهان:
أظهرهما: أن يتعلق ب «خَلَقْنَا» ، و «مِنْ» لابتداء الغاية.
والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «الإنسان» .
والسُّلالة (فُعَالَة) ، وهو بناء يدل على القلة كالقُلَامة، وهي من سَلَلْتُ الشيءَ من الشيءِ أي استخرجْتهُ منه، ومنه قولهم: هو سُلَالَةُ أَبيهِ كأنه انسلّ من ظهره، وأنشد: