للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

سُمي وُسعاً، لأنه يتسع عليه فعله، ولا يصعب ولا يضيق، فبيّن أن أولئك المخلصين لم يكلفوا أكثر مما عملوا. قال مقاتل: من لم يستطع القيام فليصلّ قاعداً، ومن لم يستطع الجلوس فَلْيومئ إيماء، ومن لم يستطع الصوم فليفطر.

قوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بالحق} «يَنْطِقُ» صفة ل «كِتَابٌ» و «بِالحَقِّ» يجوز أن يتعلق ب «يَنْطِق» ، وأن يتعلق بمحذوف حالاً من فاعله. أي: ينطق ملتبساً بالحق، ونطيره {هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} [الجاثية: ٢٩] . فشبّه الكتاب بمن يصدر عنه البيان، فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرب بما فيه كما يعرب وينطق الناطق إذا كان مُحِقًّا. فإن قيل: هؤلاء الذين يعرض عليهم ذلك الكتاب، إما ان يكونوا محيلين الكذب على الله، أو مجوزين ذلك عليه، فإن أحالوه عليه، فإنهم يصدقونه في كل ما يقول سواء وجد الكتاب أو لم يوجد، وإن جوزوه عليه لم يحصل لهم بذلك الكتاب يقين، لتجويزهم أنه - سبحانه - كتب فيه خلاف ما حصل، وعلى التقديرين لا فائدة في ذلك الكتاب. فالجواب: يفعل الله ما يشاء، وعلى أنه لا يَبْعُد أن يكون ذلك مصلحة للمكلفين من الملائكة.

قوله: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} لا ينقص من حسناتهم، ولا يُزاد على سيئاتهم ونظيره: {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: ٤٩] .

قالت المعتزلة: الظلم إمّا أن يكون بالزيادة في العقاب أو بالنقصان من الثواب، أو بأن يعذب على ما لم يعمل أو بأن يكلفهم (ما لَا يَطِيقُونَ) فتكون الآية دالة على كون العبد مُوجداً لفعله، وإلا لكان تعذيبه عليه ظلماً، ويدلُّ على أنه - سبحانه - لا يكلف ما لا يطاق.

وأجيب بأنه لمّا كلف أبا لهب أن يؤمن (والإيمان يقتضي تصديق الله في كل ما أخبر به، ومما أخبر أنّ أبا لهب لا يؤمن) فقد كلّفه (بأن يؤمن) بأن لا يؤمن فيلزمكم (كل ما ذكرتموه) .

قوله: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} أي: في غفلة وجهالةٍ، يعني الكفار في غفلة. «مِنْ هَذَا» أي: القرآن، أي من هذا الذي بيّناه في القرآن، أو من الكتاب الذي ينطق بالحق

<<  <  ج: ص:  >  >>