أو من هذا الذي هو وصف المشفقين. «وَلَهُمْ» أي: ولهؤلاء الكفار {أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذلك} أي: أعمال خبيثة من المعاصي «دُون ذَلِك» أي: سوى جهلهم وكفرهم.
وقيل:«دُون ذَلِك» يعني: من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله - عَزَّ وَجَلَّ - قال بعضهم: أراد أعمالهم في الحال. وقيل: بل أراد المستقبل لقوله: {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} .
وإنما قال:{هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} ، لأنها مثبتة في علم الله - تعالى - وفي اللوح المحفوظ، فوجب أن يعملوها ليدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة. وقال أبو مسلم: هذه الآيات من صفات المشفقين كأنه قال بعد وصفهم: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} ونهايته ما أتى به هؤلاء المشفقون «وَلَدَيْنَا كِتَابٌ» يحفظ أعمالهم «يَنْطِقُ بالحَقِّ»«فَلَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ في غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا» هو أيضاً وصفٌ لهم بالحيرة كأنه قال: وهم مع ذلك الوجل والخوف كالمتحيرين في أن أعمالهم مقبولة أو مردودة {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذلك} أي: لهم أيضاً من النوافل ووجوه البرِّ سِوَى ما هم عليه إمَّا أعمالاً قد عملوها في الماضي، أو سيعملوها في المستقبل، ثم إنه تعالى رجع بقوله:{حتى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} إلى وصف الكفار وهذا قول قتادة.
قال ابن الخطيب: وقول أبي مسلم أولى، لأنه إذا أمكن رد الكلام إلى ما يتصل به كان أولى من ردّه إلى ما بعد خصوصاً، وقد يرغب المرء في فعل الخير بأن يذكر أنّ أعمالهم محفوظة، كما يحذر بذلك من الشر، وقد يُوصف المرء لشدة فكره في أمر آخرته بأن قلبه في غمرة، ويراد أنّه قد استولى عليه الفكر في قبوله أو ردِّه، وفي أنه هل أدَّى عمله كما يجب أو قصّر؟
فإن قيل: فما المراد بقوله: «مِنْ هَذَا» وهو إشارة إلى ماذا؟
قلنا: إشارة إلى إشفاقهم ووجهلم بيَّن أنهما مستوليان على قلوبهم.
قوله:{حتى إِذَآ}«حَتَّى» هذه إمّا حرف ابتداء والجملة الشرطية بعدها غاية لما قبلها، وإذا الثانية فجائية، وهي جواب الشرط، وإمّا حرف جر عند بعضهم، وتقدّم تحقيقه. وقال الحوفي:«حَتَّى» غاية، وهي عاطفة، و «إذَا» ظرف مضاف لما بعده فيه معنى الشرط، و «إذَا» الثانية في موضع جواب الأولى، ومعنى الكلام عامل في «