صلاة العشاء. وخصَّ هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد من العبيد والصبيان، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات، فأما غيرهم فيستأذنون في جميع الأوقات. وسميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته.
فصل
قال بعضهم: إن قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا}[النور: ٢٧] يدل على أنّ الاستئذان واجب في كل حال، فنسخ بهذه الآية في غير هذه الأحوال الثلاثة. قال ابن عباس: لم يكن للقوم ستور ولا حجاب، وكان الخدم والولائد يدخلون، فربما يرون منهم ما لا يحبون، فأمروا بالاستئذان، وقد بسط الله الرزق، واتخذ الناس الستور، فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان.
وقال آخرون: الآية الأولى أريد بها المكلف، لأنه خطاب لمن آمن، والمراد بهذه الآية غير المكلف، لا يدخل في بعض الأحوال إلاّ بإذن، وفي بعضها بغير إذن، ولا وجه للنسخ. فإن قيل: قوله: {الذين مَلَكَتْ أيمانكم} يدخل فيه من بلغ، فالنسخ لازم؟
فالجواب أن قوله تعالى:{يا أيها الذين آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ}[النور: ٢٧] لا يدخل تحته العبيد والإماء، فلا يجب النسخ.
قال أبو عبيد: لم يصر أحد من العلماء إلى أن الأمر بالاستئذان منسوخ. وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: ثلاث آيات من كتاب الله تركهن الناس لا أرى أحداً يعمل بهن، قال عطاء: حفظت آيتين ونسيت واحدة، وقرأ هذه الآية، وقوله {يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى}[الحجرات: ١٣] ذكر سعيد بن جبير أن الآية الثالثة: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى ... }[النساء: ٨] الآية.