الثاني: بمعنى الكراهية، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ}[الجمعة: ٨] أي: تكرهونه.
الثالث: بمعنى اشتغال المرء بنفسه، قال تعالى:{يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}[عبس: ٣٤ - ٣٥] أي: لا يلتفت إليهم، لاشتغاله بنفسه.
الرابع: بمعنى التباعد، قال تعالى:{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلَاّ فِرَاراً}[نوح: ٦] أي: تباعداً. ثم بين نعم الله عليه بعد الفرار، فكأنه قال: أسأتم وأحسن الله إليَّ بأن وهب لي حكماً. قرأ عيسى:«حُكُماً» بضم الكاف إتباعاً. والمراد بالحكم: العلم والفهم، قاله مقاتل: وقيل: النبوة. والأول أقرب، لأن المعطوف غير المعطوف عليه، والنبوة مفهومة من قوله:{وَجَعَلَنِي مِنَ المرسلين} .
قوله:«وَتِلْكَ نِعْمَةٌ» فيه وجهان:
أحدهما: أنه خبر على سبيل التهكم، أي: إنْ كَانَ ثمَّ نعمة فليست إلَاّ أنك جعلت قومي عبيداً لك. وقيل:«ثَمَّ» حرف استفهام محذوف لفهم المعنى، أي:«أَوَ تِلْكَ» ، وهذا مذهب الخفش، وجعل من ذلك:
٣٨٩٨ - أَفْرَحُ انْ أُرْزَأَ الكِرَامَ ... وقد تقدم هذا مشبعاً في النساء عند قوله:{وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}[النساء: ٧٩] وفي غيره.