للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تعلم الشرع اقتصر على قوله: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» واعلم أن قوله: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} أجابه الله تعالى بقوله {وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين} [البقرة: ١٣٠] .

والمراد ب «الحكم» : إدراك الحق والعلم، لأن النبوة كانت حاصلة له، وتحصيل الحاصل محال، وهذا قول مقاتل. وقال ابن عباس: معرفة حدود الله وأحكامه.

وقال الكلبي: النبوّة «وَأَلْحِقْنِي بالصَّالِحِينَ» من قبلي من النبيين في المنزلة والدرجة.

قوله: {واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} . أي: ثناء حسناً، وذكراً جميلاً، وقبولاً عاماً في الأمم التي تجيء بعدي. قال ابن عباس: أعطاه الله بقوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} [الصافات: ١٠٨] فأهل الأديان يتولونه ويثنون عليه.

قال القتيبي: وضع اللسان موضع القول على الاستعارة، لأن القول يكون به.

وقيل: المراد منه: أن يجعل في ذريته في آخر الزمان من يكون داعياً إلى الله تعالى وذلك هو محمد - عليه السلام - فالمراد من قوله: {واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} بعثه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

قوله: {واجعلني (مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} «مِنْ وَرَثَةِ» إما أن يكون مفعولاً ثانياً، أي: مستقراً أو كائناً من ورثة. وإما أن يكون صفة لمحذوف هو المفعول الثاني، أي: وارثاً من ورثة. واعلم أنه لما طلب سعادة الدنيا طلب بعدها سعادة الآخرة، وهي جنة النعيم، وشبهها بما يورث لأنه الذي يغتنم في الدنيا، فشبه غنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا.

قوله: {واغفر لأبي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين} . لما فرغ من طلب السعادت الدنيوية والأخروية لنفسه طلبها لأشد الناس التصاقاً به، وهو أبوه، وفيه وجهان:

الأول: أن المغفرة مشروط بالإسلام، وطلب المشروط متضمن لطلب الشرط، فقوله «واغْفِر لأَبِي» كأنه دعاء له بالإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>