الثاني: أن أباه وعده بالإسلام لقوله: {وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَاّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ}[التوبة: ١٤] فدعا له قبل أن يتبين له (أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّه) ، كما سبق في سورة التوبة.
وقيل: إن أباه قال له: إنه على دينه باطناً وعلى دين نمروذ ظاهراً تقيَّة وخوفاً، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك، فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه ولذلك قال في دعائه:{إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين} فلولا اعتقاده فيه أنه في الحال ليس بضال لما قال ذلك.
قوله:{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}(قال الزمخشري) : الإخزاء من الخزي، وهو الهوان، ومن الخزاية، وهي الحياء. وهذه الآية تدل على أنه لا يجب على الله شيء كما تقدم في قوله:{والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين} . فإن قيل: لما قال أولاً: {واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} كان كافياً عن قوله: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} . وأيضاً فقد قال الله تعالى:{إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين}[النحل: ٢٧] فما كان نصيب الكفار فقط كيف يخافه المعصوم؟
فالجواب: أن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فكذا درجات الأبرار خزي المقربين، وخزي كل واحد بما يليق به.
قال الزمخشري: في (يبعثون) ضمير العباد لأنه معلوم، أو ضمير الضالين.
قوله:{يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ... الآية} . {يَوْمَ لَا يَنفَعُ} بدل من «يوم» قبله وجعل ابن عطية هذا من كلام الله تعالى إلى آخر الآيات مع إعرابه {يَوْمَ لَا يَنفَعُ} بدلا من «يَوْمَ يُبَعَثُون» . وردّه أبو حيان بأن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه آو آخر مثله مقدر. وعلى كلا هذين القولين لا يصح لاختلاف المتكلمين. واعلم أن الله تعالى قد أكرمه بهذا الوصف حيث قال:{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الصافات: ٨٣ - ٨٤] .
قوله:{إِلَاّ مَنْ أَتَى الله} فيه أوجه:
أحدها: أنه منقطع، أي {إِلَاّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} فإنه ينفعه ذلك.
وقال الزمخشري: ولا بد مع ذلك من تقدير المضاف، وهو الحال المراد بها سلامة