للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل

لما ذكر قصص الأنبياء لمحمد - عليه السلام - أتبعه بما يدل على نبوته فقال: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين} لأنه لفصاحته معجز فيكون من رب العالمين. وأيضاً فلأنه إخبار عن الأمم الماضية من غير تعلم ألبتة، وذلك إلَاّ بوحي من الله تعالى. وأيضاً فقوله {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} مؤكد لما ذكرنا، لأن ذكر هذه القصص على ما هي في زبر الأولين من غير تفاوت أصلاً مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستفادة دليل على أنه ليس إلا من عند الله، {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} عَلَى قَلْبِكَ يا محمد، أي: فهمك إياه وأثبته في قلبك كي لا تنساه كقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تنسى} [الأعلى: ٦] {لِتَكُونَ مِنَ المنذرين} : المخوِّفين. وسمي جبريل روحاً، لأنه خلق من الروح. وقيل: لأنه نجاة الخلق في باب الدين، فهو كالروح التي تستتبع الحياة. وقيل: لأنه روح كله، لا كالناس في أبدانهم روح. وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه للأنبياء - (عليهم السلام) -.

فصل

روي أنَّ جبريل - عليه السلام - نزل على آدم - عليه السلام - اثنا عشرة مرة، وعلى إدريس أربع مرات، وعلى نوح خمسين مرة، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة، وعلى موسى أربعمائة مرة، وعلى عيسى عشر مرات وعلى محمد - عليه السلام - أربع عشرة ألف مرة.

فإن قيل: لم قال: «عَلَى قَلْبِكَ» وهو إنما أنزل عليه؟

فالجواب: ليؤكد أنّ ذلك المنزل محفوظ للرسول متمكن من قبله لا يجوز عليه التغيير، ولأنَّ القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار، وأما سار الأعضاء فمسخّرة له، ويدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول، أما القرآن فقوله تعالى: {نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} [البقرة: ٩٧] ، {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: ٣٧] واستحقاق الجزاء ليس إلَاّ على ما في القلب، قال تعالى: {لَاّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] {لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} [الحج: ٣٧] والتقوى في القلب لقوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} [الحجرات: ٣] وقوله: {وَحُصِّلَ مَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>