والقول بأن الفتحة للإتباع خطأ، والعامة على رفع «الشُّعَرَاءُ» بالابتداء، والجملة بعده الخبر. وقرأ عيسى بالنصب على الاشتغال.
فصل
لمّا قال الكفار: لم لا يجوز أن يقالك الشياطين تنزل بالقرآن على محمد، كما أنهم ينزلون بالكهانة على الكهنة، وعلى الشعراء بالشعر؟ ثم إنه تعالى فرق بين محمد - عليه السلام - وبين الكهنة، ذكر ههنا ما يدل على الفرق بينه وبين الشعراء: بأن الشعراء يتبعهم الغاوون، وهم: الضالون: ثم بيَّن أنَّ ذلك لا يمكن القول به لأمرين:
الأول:{أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} والمراد منه: الطرق المختلفة، كقولك: أنا في يعظمونه بعدما يستحقرونه وبالعكس وذلك يدل على أنهم لا يطلبون بشعرهم الحق ولا الصدق، بخلاف أمر محمد - عليه السلام - فإنه من أول أمره إلى آخره بقي على طريق واحدة، وهو الدعوة إلى الله، والترغيب في الآخرة، والإعراض عن الدنيا.
وذلك أيضاً من علامات الغواية، فإنهم يرغِّبُون في الجود، ويرغبون عنه، وينفرون عن البخل ويصيرون إليه، ويقدحون في الناس بأدنى شيء صدر عنهم وعن واحد من أسلافهم. ثم إنهم لا يرتكبون إلا الفواحش، وذلك يدل على الغواية والضلالة، وأما محمد - عليه السلام - فإنه بدأ بنفسه {فَلَا تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين}[الشعراء: ٢١٣] ثم بالأقرب فالأقرب فقال: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين}[الشعراء: ٢١٤] وكل ذلك خلاف طريقة الشعراء، فظهر بهذا البيان أنَّ حال محمد - عليه السلام - لم يشبه حال الشعراء.
قوله:«يَهِيمُونَ» . يجوز أن تكون هذه الجملة خبر «أَنَّ» وهذا هو الظاهر، لأنه محط الفائدة، و «فِي كُلِّ وَادٍ» متعلق به. ويجوز أن يكون {فِي كُلِّ وَادٍ} هو الخبر، أو نفس الجار كما تقدم في نظيره. ويجوز أن تكون الجملة خبراً بعد خبر عند من يَرَى تَعَدُّد