والثاني: وهو قول المبرد أنه في محلّ رفع بالفاعلية، رافعه محذوف تقديره: ولو ثبت إيمانهم؛ لأنها لا يليها إلَاّ الفعل ظاهراً أو مضمراً، وقد ردّ بعضهم هذا بأنه لا يضمر بعدها الفعل إلا مفسَّراً بفعل مثله، ودليل كلا القولين مذكور في كتب النحو. والضمير في «أنهم» فيه قولان:
أحدهما: عائد على اليهود،
والثاني: على الذين يعلمون [الناس] السحر.
قال ابن الخطيب: إنَّ الله تعالى لما قال: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كِتَابَ الله وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ}[البقرة: ١٠١] ثم وصفهم بأنهم {اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} ، وأنهم تسّكوا بالسحر قال بعد:{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ} يعنى بما بنذوه من كتاب الله.
فإن حملت ذلك على القرآن جاز، وإن حملته على كتابهم المصدق للقرآن جاز، وإن حملته على الأمرين جاز، والمراد بالتقوى الاحتراز عن فعل المنهيات، وترك المأمورات.
قوله تعالى:{لَمَثُوبَةٌ مِنْ اللهِ} .
في هذه اللام قولان:
أحدهما: أنها لام الابتداء، وأن مابعدها استئناف إخبار بذلك، وليس متعلقاً بإيمانهم وتقواهم، ولا مترتباً عليه، وعلى هذا فجواب «لو» محذوف إذا قيل بأنها ليست للتمني، أو قيل بأنها للتمني، ويكون لها جواب تقديره: لأثيبوا.
والثاني: أنها جواب «لو» ، فإن «لو» تجاب بالجملة الاسمية.
قال الزمخشري رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب «لو» لما في ذلك من الدلالة على ثبوت المَثُوبَةِ واستقراراها، كما عَدَلَ عن النصب إلى الرفع في {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ٥٤] لذلك. [وفي] وقوع جواب «لو» جملة إسمية نظر يحتاج إلى دليل غير مَحلّ النزاع.
قال أبو حيان رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لم يعهد في كلام العرب وقوع الجملة الابتدائية جواباً ل «لو» ، إنما جاء هذا المختلف في تخريجه، ولا تَثْبُت القواعد الكلية بالمحتمل.
والمثوبة فيها قولان:
أحدهما: أن وزنها «فعولة» ، والأصل مَثْوُوبَة، فَثَقُلَت الضَّمة على «الواو» ، فنقلت إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان فحذف أحدهما مثل: مَقُولة ومجوزة ومصونة ومشوبة