للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} وهذا إشارة إلى إزالة الأعْذَار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار وأنه لم يبقَ من جانب الرسول تقصيرٌ فَإن طلبوا شيئاً آخر فذاك عناد مَحْض لأن من كذَّب دليلاً لا يَصْعبُ عليه تكذيب الدلائل بل يا يجوز للمستدل أن يَشْرَع في دليل آخر بعد ذكره دليلاً جيِّداً مستقيماً ظاهراً لا إشكال عليه، وعانده الخصم لأنه إما أن يعترف بوُرُودِ سُؤال الخَصْم عليه أو لا يعترف فإن اعترف يكون انقطاعاً وهو يَقْدَحُ في الدليل والمستدلّ إما أن يكون الدليل فاسداً وإما أن المستدل جاهل بوجه الدلالة والاستدلال وكلاهما لا يجوز الاعراف (به) من العلم فكيف من النبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وإن لم يعترف بكون الشُّرُوعِ في غيره يوهم أن الخَصم معاند فيحترز عن العناد في الثاني أكثر.

فإن قيل: فالأنبياء عليهم (الصلاة و) السلام ذكروا أنواعاً من الدلائل، فنقول سردوها سَرْداً ثم فردوها فرداً فرداً (كما) يَقُولُ: الدليلُ عليه من وجوه: الأول: كذا، والثاني: كذا، والثالث: كذا.

وفي مثل هذا الواجب عدم الالتفات إلى عناد المعاند لأنه يريد تضييع الوقت كي لا يتمكن المُسْتَدِلُ مِن الإتيان بجميع ما وعد من الدليل فتَنْحَطُّ درجته وإلى هذا أشار بقوله: {وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ مُبْطِلُونَ} أي ما أنتم إلا على باطل، ووحد في قوله: «جئْتَهُمْ» وجمع في قوله: «إنْ أَنْتُمْ» لنكتةٍ وهي أنه تعالى أخبر في موضع آخر فقال: {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِكُلِّ آيَةٍ} أي جاءت بها الرسل فقال الكفار ما أنتم أيها المُدعُون الرسالة (كلكم) إلا كذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>