مُحَال؛ لأن الناسخ يجب أن يكون متأخراً عن المَنْسُوخ، والمتأخر يستحيل قدمه، والمنسوخ يجب زوااله وارتفاعه، ما ثبت زواله استحل قدمه.
وثانيها: أن الآية دلّت على أن بعض الآيات خير من بعض، وما كان كذلك لا يكون قديماً.
وثالثها: قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يدل على أنه القادر على نسخ بعضها، وإتيانه بشيء آخر بدلاً من الأولن وما كان داخلاً تحت القدرة، وكان فعلاً كان محدثاُ.
وأجيب عنه: بأن كونه ناسخاً ومنسوخاً إنما هو من وعوارض الأَلْفَاظ، ولا نزاع في حدوثها، فلما قلتم: إن المعنى الحقيقي الذي هو مدلول العبارات والاصطلاحات محدث بها.
قالت المعتزلة: لا شكّ أن تعلقه الأول قد زال، وحدث له تعلق آخر، فالتعلق الأول محدث؛ لأنه زال، والقديم لا يزول، والتعلق الثاني حادث، لأنه حصل بعد أن لم يكن، والكلام الحقيقي لا ينفك عن هذه التعلقات، وما لا ينفك [عن الحدث] محدث.
والجواب: أن قدرة الله تعالى كانت في الأَزَلِ متعلّقة بإيجاد العالم، فعند دخول العالم في الوجود، هل يبقى ذلك التعلّق أو لم يبق؟
فإن بقي يلزم أن يكون القادر قادراً على إيجاد الموجود وهو محال، وإن لم يبق فقد زال ذلك التعلق، فألزمكم حدوث قدرة الله تعالى على ما ذكرتم، وكذلك علم الله تعالى كان متعلقاً بأن العالم سيوجد، فعند دخول هذا العالم في الوجود إن بقي التعلّق الأول كان جَهْلاً، وإن لم يَبْقَ يلزمكم كون التعلق الأول حادثاً؛ لأنه لو كان قديماً لما زال، ووكون التعلّق الذي حصل بعد ذلك حدثاً فإِذاً عالمية الله تعالى لا تنفكّ عن التعلّقات الحادثة، وما لا ينفك عن المحدث [محدث] فعالمية الله محدثة، فكل ما تجعلونه جواباً عن العالمية والقادرية هو جوابنا عن الكلام.
قوله:«أَلَم تَعْلَمْ» هذا استفهام معناه التقرير، فلذلك لم يحتج إلى معادل يعطف عليه ب «أم» ، و «أم» في قوله: «أَمْ تُرِيْدُونَ» منقطعة هذا هو الصحيح في الآية. قال ابن عطية: ظاهره الاستفهام المَحْضُ، فالمعادل هنا على قول جماعة:«أم تريدون» ، وقال قوم:«أم» منقطعة، فالمعادل محذوف تقديره: أم علمتم، هذا إذا أريد بالخطاب أمته عليه السلام.
أما إذا أريد هو به، فالمعادل محذوف لا غير، وكلا القولين مروي انتهى.