للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حِينَ طَابَت الظِّلَالُ، وَطَابَتِ الثِّمَارُ، وَكَانَ قَلَّ مَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، وَكَانَ يَقُولُ: «الحَرْبُ خَدْعَةٌ»، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُ أُهْبَتَه، وَأَنَا أَيْسَرُ مَا كُنْتُ، قَدْ جَمَعْتُ رَاحِلَتِين، وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الجِهَادِ وَخِفَّةِ الحَاذِ (١)، وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلَالِ، وَطِيبِ الثِّمَارِ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ غَادِيًا بِالغَدَاةٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الخَمِيسِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا، قُلْتُ: أَنْطَلِقُ غَدًا إِلَى السُّوقِ فَأَشْتَرِي جَهَازِي ثُمَّ أَلْحَقُ بهُمْ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ مِنَ الغَدِ فَعَسُرَ عَلِيَّ بَعْضُ شَأنِيَ، فرجعتُ فَقُلْتُ (٢) : أَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ فألحقُ بِهِم، فَعَسُرَ عَلَيَّ بَعْضُ شَأْني أيضًا، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى الْتَبَسَ بِيَ الذَّنْبُ، وَتَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ، وَأَطُوفُ بِالمَدِينَةِ َيُحْزِنُنِي (٣) أَنِّي لَا أَرَى (٤) إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ (٥) فِي النِّفَاقِ، وَكَانَ لَيْسَ أَحَدٌ تَخَلَّفَ، إِلَّا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ، وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا لَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ، وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بَضْعَةٌ وَثَمَانِينَ رَجُلًا. وَلَمْ يَذْكُرُنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ (٦) قَالَ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ؟» قَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي: خَلَّفَهُ يَا نبيَّ (٧) اللهِ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ (٨)، فَقَالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ لا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: فَبَيْنَما (٩) هُمْ كَذَلِكَ إِذَا (١٠) هُمْ بِرَجُلٍ يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ (١١)، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: «كُنْ (١٢) أَبَا خَيْثَمَةَ»، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ


(١) في (د) : «الجاد». في هامش الأصل: «الحاذ: الحال».
(٢) في (ح) و (د) : «وقلت».
(٣) في (د) : «ويحزنني».
(٤) زاد في (ح) و (د) : «أحدًا».
(٥) جاء في هامش (ح) : «قوله: إلا رجلًا مغموصًا عليه: أي متهمًا مستحقرًا، يقال: غمصت فلانًا وأغمصته: إذا استحقرته واستصغرته». في هامش الأصل: «الغمص: العيب تأنيب النفس والملامة».
(٦) في (ح) و (د) : «تبوكًا فلما بلغ تبوكًا».
(٧) في (ح) و (د) : «رسول».
(٨) جاء في هامش (ح) : «قوله: وهو ينظر في عطفيه: قال الهروي: عطفا الإنسان ناحيتا جيده، وقال في موضع آخر: ناحيتا العنق».
(٩) في (ح) و (د) : «فبينا».
(١٠) في (ح) : «إذ».
(١١) جاء في هامش (ح) : «يتحرك: وكل متحرك زايله»، و جاء في هامش (ح) : «السراب: الذي يظهر في الهواء بحر؟؟ في القفار كأنه ماء».
(١٢) قوله: «كن» ليس في (د).

<<  <   >  >>