للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر مذهب هؤلاء أبو محمد الحسن بن موسى النُّوبَخْتي في كتاب "الآراء والديانات" (١) وقال: رأيت كثيرًا من المتكلمين قد غلطوا في أمر هؤلاء غلطًا بينًا؛ لأنهم ناظروهم وجادلوهم وراموا بالحجاج والمناظرة الرد عليهم، وهم لم يثبتوا حقيقة ولا أقروا لمشاهدة، فكيف تكلم من يقول: لا أدري أتكملني أم لا؟ فكيف تناظر من يزعم أنه لا يدري أموجود هو أم معدوم؟ وكيف تخاطب من يدعي أن المخاطبة بمنزلة السكوت في الإبانة، وأن الصحيح بمنزلة الفاسد؟ قال: ثم إنه إنما يناظر من يقر بضرورة (٢) ويعترف بأمر، فيجعل ما يقر به سببًا إلى الصحيح مما يجحده، فأما من لم يقر بذلك فمجادلته مطروحة (٣).


(١) ذكر ابن النديم في الفهرست (ص ٢٢٠) أن النُّوبَخْتي ألّف كتاب "الآراء والديانات" ولم يُتمه. وذكره المسعودي في مروج الذهب (١/ ٧٩) قال: قد رأيت أبا القاسم البَلْخِي ذكر في كتاب "عيون المسائل والجوابات"، وكذلك الحسن بن موسى النُّوبَخْتي في كتابه المترجم بكتاب "الآراء والديانات" مذاهب الهند وآرائهم … ). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وفي كتاب "الآراء والديانات" لأبي محمد الحسن بن موسى النُّوبَخْتي، فصل جيد من ذلك، فإنه بعد أن ذكر طريقة أرسطو في المنطق قال: وقد اعترض قوم … ). مجموع الفتاوى (٩/ ٢٣١)، وانظر: الرد على المنطقيين (ص ٣٣١، ٣٣٧). وذكر النجاشي في رجال الشيعة (١/ ١٨٠) أنه كتاب كبير حسن، يحتوي على علوم كثيرة. وقال: (قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله … )، والكتاب الآن في حكم المفقود. والله أعلم.
(٢) الضرورة: عند المنطقيين عبارة عن استحالة انفكاك المحمول -وهو أحد طرفي القضية- عن الموضوع الذي هو الطرف الأول في القضية. والقضية عبارة عن: الموضوع والمحمول والنسبة بينهما، مثالها: قولنا: الثلج ماءٌ متجمد: فهذا الكلام قضية، وهي جملة اسمية الموضوع فيها هو الثلج، وهو مبتدأ، والمحمول فيها "ماء متجمد" وهو خبر، والنسبة بينهما قد دلت عليها حركة الإعراب وهي الرفع في الخبر.
ومنها: تسمية العلم الضروري وهو الذي يقابل الاستدلالي، إذ يحصل بدون فكر ونظر في دليل، وقد يُسمى البديهي وهو ما يكفي تصوّر طرفيه -موضوعه ومحموله- في حصول تصديقه.
انظر: التعريفات للجرجاني (ص ١٥٠)، التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص ٤٧٢)، الكليات لأبي البقاء (ص ٥٧٦)، كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (٢/ ٨٧٧)، الرد على المنطقيين لابن تيمية (ص ٨٩)، ضوابط المعرفة للميداني (ص ٢٠ - ٢١).
(٣) لأن مبناها على المكابرة من طرف السوفسطائي والمكابرة وظيفة مردودة غير مسموعة، فهي غير مقبولة، كما لا يخفى. انظر: ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة للميداني (ص ٤٥٤).

<<  <   >  >>