للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف: قلت: وقد رد هذا الكلام أبو الوفاء بن عقيل فقال: إن أقوامًا قالوا: كيف نكلم هؤلاء وغاية ما يمكن المجادل أن يقرب المعقول إلى المُحَس، ويستشهد بالشاهد فيستدل به على الغائب، وهؤلاء لا يقولون بالمحسات فبمَ يكلمون؟ قال: وهذا كلام ضيق العطن (١)، ولا ينبغي أن يُوْءَسَ من معالجة هؤلاء، فإن ما اعتراهم ليس بأكثر من الوسواس، فلا ينبغي أن يضيق عطننا عن معالجتهم، فإنهم قوم أخرجتهم عوارض انحراف مزاج (٢)، وما مثلنا ومثلهم إلا كرجل رزق ولدا أحول ولا يزال يرى القمر بصورة قمرين، حتى إنه لم يشك أن في السماء قمرين، فقال له أبوه: إنما القمر واحد، وإنما السوء (٣) في عينك، غط عينك الحولاء وانظر، فلما فعل قال: أرى قمرا واحدا لأنني غطيت إحدى عيني فغاب أحدهما، فجاء من هذا القول شبهة ثانية، فقال له أبوه: إن كان ذلك كما ذكرت فغط الصحيحة ففعل فرأى قمرين، فعلم صحة ما قاله أبوه.

أنبأنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا الحسن بن أحمد بن البناء، قال: نا ابن وردان، قال: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني، قال: حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرع، قال: حدثني محمد بن عيسى النظام قال: مات ابنٌ لصالح بن عبد القدوس فمضى إليه أبو الهذيل (٤) ومعه النظام وهو غلام حدث كالمتوجع له


(١) قال أبو بكر بن الأنباري في قولهم: فلان ضيق العطن: (معناه: قليل العطاء، ضيق النفس. فكنى بالعطن عن ذلك). الزاهر في معاني كلمات الناس (٢/ ٣٩٣).
(٢) كالآفات في الحواس مثلًا، كما سيذكره في القصة الآتية. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكثيرًا ما يشتبه ذلك وتتعارض الدلالتان عند من يُكنّ السفسطة والإلحاد لشُبه قامت به، فتكون الآفة من إدراكه لا من المدرك، كالأحول الذي يرى الواحد اثنين، والممرور الذي يجد الحلو مُرًا … ). درء تعارض العقل والنقل (٧/ ٤٠).
(٣) في "أ": (السر).
(٤) هو محمد بن الهذيل البصري، أبو الهذيل العلاف. رأس المعتزلة، وكان أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد =

<<  <   >  >>