للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقد لتنطوي وتنفتح، فيمكن العمل، ولم تجوف لكثرة عملها إذ لو جوفت لصدمها الشيء القوي فكسرها، وجعل بعضها أطول من بعض لتستوي إذا ضمت (١)، وأخفى ما في البدن ما به قوامه، وهو النفس (٢) التي إذا ذهبت فسد، والعقل الذي يرشد إلى المصالح، وكل شيء من هذه الأشياء ينادي: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾ [إبراهيم: ١٣]!

وإنما تخبط الجاحد لأنه طلبه من حيث الحس، ومن الناس من جحده لأنه لما أثبت وجوده من حيث الجملة لم يدركه من حيث التفصيل فجحد أصل الوجود، ولو أعمل هذا فكره لعلم أن لنا أشياء لا تدرك إلا جملة كالنفس والعقل، ولم يمتنع أحد من إثبات وجودها، وهل الغاية إلا إثبات الخالق جملة، وكيف يقال: كيف هو أو ما هو ولا كيفية له ولا ماهية (٣)!


(١) انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم (٢/ ٥ - ٢٢٨)، ففيه عرض لعجائب الخلق!
(٢) النفس: انظر في تعريفها: التعريفات للجرجاني (ص ٢٥٢)، الكليات لأبي البقاء (ص ٨٩٧)، التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص ٧٠٥)، كشاف اصطلاحات الفنون (٣/ ١٣٩٦ وما بعدها).
وقال ابن القيم : (قد تكلم الناس فيها من سائر الطوائف، واضطربت أقوالهم فيها، وكثر فيها خطؤهم، وهدى اللهُ أتباعَ الرسول أهل سنته لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه … ) وقد ساق أغلب ما قاله الناس في تعريف النفس، ثم خلص إلى أن القول الصواب هو أن النفس: (جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف متحرك، حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ولسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم). الروح (٢/ ٥٧٣، ٥٧٩).
(٣) المولى لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، كما أنه تعالى لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، فإن الله تعالى لا مثل له، بل له المثل الأعلى. فلا يُسأل عنه بكيف هو أو ما هو، ولسنا بحاجة -في هذا المجال- أن نصفه بالسلوب التي توجب مخالفة الله تعالى للموجودات غيره، كما فعل المصنف هنا، بل يكفي في الرد على من رام إدراك كنه المولى ضرب الروح له مثلًا، وسؤاله عن كنهها وحقيقتها.
والمقصود -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-: (أن الروح إذا كانت موجودة، حية، عالمة، قادرة، سميعة، بصيرة، تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، ونحو ذلك من الصفات، والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها. لأنهم لم يشاهدوا لها نظيرًا، والشيء إنما تُدرك حقيقته إما بمشاهدته أو بمشاهدة نظيره. فإذا =

<<  <   >  >>