للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخلصون بذلك النور من الظلمة (١)، في مذاهب سخيفة!

والذي حملهم على هذا أنهم رأوا في العالم شرًا واختلافًا، فقالوا: لا يكون من أصل واحد شيئان متضادان، كما لا يكون من النار التسخين والتبريد.

وقد رد العلماء (٢) عليهم في قولهم: إن الصانع اثنان، فقالوا: لو كانا اثنين لم يخل أن يكونا: قادرين، أو عاجزين، أو أحدهما قادر والآخر عاجز:

° لا يجوز أن يكونا عاجزين؛ لأن العجز يمنع ثبوت الإلهية.

° ولا يجوز أن يكون أحدهما عاجزًا.

° فبقي أن يقال: هما قادران.

فتصور أن أحدهما يريد تحريك هذا الجسم في حالة يريد الآخر فيها تسكينه، ومن المحال وجود ما يريدانه، فإن تم مراد أحدهما ثبت عجز الآخر (٣).


(١) انظر: الملل والنحل للشهرستاني (١/ ٢٩٧)، الفهرست لابن النديم (ص ٤١٢).
(٢) كالأشعري، والبغدادي، والجويني، والباقلاني، وأبي يعلى، والشهرستاني، وعبد الجبار المعتزلي ..
(٣) انظر: اللمع للأشعري (ص ٢٠)، أصول الدين للبغدادي (ص ٧٥، ٨٥)، التمهيد للباقلاني (ص ٤٦)، (ص ١٥١ - ١٥٢)، الإنصاف له أيضًا (ص ٤٩ - ٥٠)، الإرشاد للجويني (ص ٣٥)، المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى (ص ٤١)، نهاية الأقدام للشهرستاني (ص ٩٠ - ٩١)، المغني لعبد الجبار الهمذاني (٤/ ٢٤١ - ٢٤٥، ٢٧٥، ٣٠٠، ٣٠١)، الداعي إلى الإسلام لابن الأنباري (ص ٢٢٣ - ٢٢٦)، الباقلاني وآراؤه الكلامية (ص ٤١٢ - ٤٢٤).
وهذا هو دليل التمانع الذي سلكه المتكلمون لإثبات وحدانية الله تعالى، ظانين أن قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢] يدل عليه، أي: يدل على نفي الشركة في الربوبية، وهو أنه ليس للعالم خالقان، لظنهم بأن الإله هو بمعنى الرب، وإنما الآية دلت على ما هو أكمل وأعظم من ذلك؛ لأن القرآن يبين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، والمقصود الأعظم هو توحيد الألوهية وهو مستلزم لتوحيد الربوبية. ولولا أن المتكلمين ظنوا أن هذه الآية تدل على دليلهم أصالة، لم يرد عليهم اعتراض، بل ولا وجه للاعتراض على دليل التمانع من حيث كونه دليلًا عقليًا محضًا، كما صنع كل من الآمدي في غاية المرام، وفي أبكار الأفكار، وابن رشد في الكشف عن مناهج الأدلة، بل هو من هذه الناحية صحيح كما قرره فحول النُّظار -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-، ولذلك ناقش ابن رشد في نقده لهذا الدليل =

<<  <   >  >>