للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه أهم القواعد التي -في رأيي- بنى عليها الإمام ابن الجوزي أقواله وآراءه في باب "صفات الله تعالى".

لكنه -كما أسلفت- لم يثبت على رأي واحدٍ، فقد كان أحيانًا يخفّف من التأويل إلى القول بالتفويض (١)؛ اعتقادًا منه أن ذلك الموقف هو الذي يقتضيه النصّ؛ أو هروبًا من التعطيل الذي كان لا يرتضيه، ويهاجم أصحاب ذلك المذهب الرديّ وعلى رأسهم الجهمية.

والخلاصة: أن ابن الجوزي لم يتمحّص ولم يثبت على قولٍ واحد، كما أن له كلامًا في تقرير عقيدة التوحيد في الأسماء والصفات موافقًا لما أثر عن السَّلف، وهذا لا يمكن أن نتجاهله، أو نطّرحه بسبب ما ورد عنه من الأقوال المخالفة لذلك.

وأشدّد على أن سلوك الإمام ابن الجوزي هذا الاتجاه -أي: مسلك التأويل- ليس من مبدأ انتساب إلى فرقة مبتدعة، ولا استنادًا إلى حججهم العقلية والكلامية المستمدة من غير مناهج المسلمين، بل إنه أُتي من عدم كونه - في هذا الباب- على درجة كبيرة من التحقيق والنظر في كلام الطوائف المناوئة للسنة في باب "توحيد الأسماء والصفات" على وجه الخصوص.

ولهذا نجد له كلامًا في إثبات بعض الصفات يكون غاية في الصحة والصواب، بل قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن لابن الجوزي "من الكلام في الإثبات نظْمًا ونثرًا ما أثبت به كثيرًا من الصفات" (٢).

ولأهمية هذه المسألة ودحضًا لشبهات من يصف الشيخ بالتجهم، أو بمعاداة مذهب السَّلف والأئمة الأعلام، أرى لزامًا عليَّ أن أذكر جُمَلًا من كلام الشيخ في الإثبات والتنزيه وافق فيها منهجَ السَّلف:


(١) انظر: (ص ٢٦٩).
(٢) مجموع الفتاوى (٤/ ١٦٩).

<<  <   >  >>