للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ارتدّ منهم ثم رجع حلقوا رأسه ولحيته وحاجبيه وأشفار عينيه، ثم يذهب فيسجد للبقر، في هَذَيَانَاتٍ يضيع الزمان بذكرها!

وقد ألقى إبليس إلى البراهمة ست شبهات:

الشبهة الأولى (١): استبعاد اطلاع بعضهم على ما خفي عن بعض، فقالوا: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [المؤمنون: ٣٣]، والمعنى: فكيف اطلع على ما خفي عنكم؟!

وجواب هذه الشبهة: أنهم لو ناطقوا العقول لأجازت اختيار شخص يخص بخصائص يعلو بها جنسه، فيصلح بتلك الخصائص لتلقف الوحي، إذ ليس كل أحد يصلح لذلك، وقد علم الكل أن الله سبحانه ركَّب الأمزجة متفاوتةً وأخرج إلى الوجود أدوية تقاوم ما يعرض من الفساد البدني، فإذا أمد النبات والأحجار بخواص لإصلاح أبدان خلقت للفناء هاهنا وللبقاء في الدار الآخرة، لم يبعد أن يخص أشخاصا من خلقه بالحكمة البالغة والدعاية إليه إصلاحا لمن يفسد في العالم بسوء الأخلاق والأفعال، ومعلوم أن المخالفين لا يستنكرون أن يُخَص أقوام بالحكمة؟ ليُسكِّنوا فورات الطباع الشريرة بالموعظة، فكيف ينكرون إمداد الباري سبحانه بعض الناس برسائل وقضايا يصلح بها العالم، ويطب أخلاقهم، ويقيم بها سياستهم! وقد أشار ﷿ إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ [يونس: ٢].

الشبهة الثانية (٢): قالوا: هلا أرسل ملكا! فإن الملائكة إليه أقرب ومن الشك


(١) انظر هذه الشبهة في التمهيد للباقلاني (ص ١٢٧)، والملل والنحل للشهرستاني (٢/ ٦٠٢)، ونهاية الإقدام له أيضًا (ص ٣٧٧)، وغاية المرام للآمدي (ص ٣٢٠).
(٢) مصداق هذه الشبهة التي تمسك بها الجاحدون قوله تعالى عنهم: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٧]. كما قد ردّ على شبهتهم هذه =

<<  <   >  >>