للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب أن نقول: قد ثبت أن كثيرًا من الناس يعجزون عن سياسات الدنيا حتى يحتاجوا (١) إلى متمم كالحكماء والسلاطين، فكيف بأمور الإلهية والآخرة (٢)!

الشبهة الخامسة (٣): قالوا: قد جاءت الشرائع بأشياء ينفر منها العقل، وكيف يجوز أن تكون صحيحة؟! من ذلك إيلام الحيوان.

والجواب: أن العقل ينكر إيلام الحيوان بعضه لبعض، فأما إذا حكم الخالق بالإيلام لم يبق للعقل اعتراض.

وبيان ذلك: أن العقل قد عرف حكمة الخالق سبحانه، وأنه لا خلل فيها ولا نقص، فأوجبت عليه هذه المعرفة بالتسليم (٤) لما خفي عنه، ومتى اشتبه علينا أمر في فرع لم يجز أن يحكم على الأصل بالبطلان.

ثم قد ظهرت حكمة ذلك؛ فإنا نعلم أن الحيوان يفضل على الجماد، ثم الناطق أفضل مما ليس بناطق؛ بما أوتي من الفهم والفطنة والقوى النظرية والعملية، وحاجة هذا الناطق إلى بقائه مهمة ولا يقوم في إبقاء القوى مقام اللحم شيء، فلا يستطرف تناول القوي الضعيف وما فيه فائدة عظيمة لما قلت فائدته، وإنما خلق الحيوان البهيم للحيوان الكريم، فلو لم يذبح كثر وضاق به المرعى، ومات فتأذى الحيوان الكريم بجيفته، فلم يكن لإيجاده فائدة.


(١) في جميع النسخ: (يحتاجون). والمثبت هو الصواب.
(٢) قال الإمام ابن القيم : (إنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم … فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير … )، زاد المعاد في هدي خير العباد (١/ ٦٩).
(٣) انظر: التمهيد للباقلاني (ص ١٣٧)، والإرشاد للجويني (ص ٢٥٩)، وأصول الدين للبغدادي (ص ١٥٥)، غاية المرام للآمدي (ص ٣٢٢)، شرح المقاصد للتفتازاني (٥/ ٨).
(٤) في "أ": التسليم.

<<  <   >  >>