للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما ألم الذبح فإنه يسير (١)، وقد قيل: لا يوجد أصلا، لأن الحساس للألم أغشية الدماغ، لأن فيه الأعصاب الحساسة، ولذلك إذا أصابتها آفة من صرع أو سكتة لم يحس الإنسان بألم، فإذا قطعت الأوداج سريعا لم يصل ألم الجسم إلى محل الحس، ولهذا قال : "إذا ذبح أحدكم فليحد شفرته وليرح ذبيحته" (٢).

الشبهة السادسة (٣): قالوا: ربما يكون أهل الشرائع قد ظفروا بخواص من حجارة وخشب.


(١) مسألة إيلام الحيوان غير المكلف وغيرها من الظواهر التي يستبشعها الناس بادي الرأي، تتعلق بموضوع هو من أشرف موضوعات قضاء الله وقدره وأمره، ألا وهو موضوع "الحكمة والتعليل"، وهذا ملخص لما حرّره الإمام العلامة ابن قيم الجوزية في بيان ما استشكل من الحكمة في إيلام الحيوانات غير المكلفة:
فذكر أن المثبتين لحقائق أسماء الرب وصفاته وحكمته التي هي وصفُه ولأجلها تسمّى بالحكيم، وعنها صدر خلقه وأمره، أنهم أعلمُ الفِرق بهذا الشأن، ومسلكهم فيه أصح المسالك؛ لأنهم جمعوا بين إثبات القدرة والمشيئة العامة والحكمة الشاملة التي هي غاية الفعل.
ثم بيّن بأن الآلام والمشاق: إما هي إحسان ورحمة، وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها، وإما لدفع ألم هو أصعب منها، كما أن معظم آلام أهل الأرض أو كلها ناشئة عن لذات الدنيا ومتولدة عنها.
ثم قال: (فهذه الآلام والأمراض والمشاق من أعظم النعم، إذ هي أسباب النعم، وما ينال الحيوانات غير المكلفة منها فمغمور جدًا بالنسبة إلى مصالحها ومنافعها، كما ينالها من حر الصيف وبرد الشتاء، وحبس المطر والثلج، وألم الحمل والولادة، والسعي في طلب أقواتها وغير ذلك، ولكن لذاتها أضعاف أضعاف آلامها، وما ينالها من المنافع والخيرات أضعاف ما ينالها من الشرور والآلام.
فسنة الله في خلقه وأمره هي التي أوجبها كمال علمه وحكمته وعزته، ولو اجتمعت عقول العقلاء كلهم على أن يقترحوا أحسن منها لعجزوا عن ذلك .. ). شفاء العليل (ص ٤٨٦ - ٤٨٩).
(٢) أخرجه مسلم (٣/ ١٥٤٨ رقم ١٩٥٥)، وأبو داود (٣/ ٢٤٤ رقم ٢٨١٥)، والترمذي (٤/ ١٦ رقم ١٤٠٩)، وقال: حسن صحيح، والنسائي (٧/ ٢٢٧)، وابن ماجه (٢/ ١٠٥٨ رقم ٣١٧٠)، وأحمد (٤/ ١٢٣، ١٢٤، ١٢٥).
(٣) مقصودهم من هذه الشبهة: إنكار المعجزات التي جاء بها الأنبياء، بالطعن في صدقهم، ورميهم باستعمال الحيل واستغلال خواص الحجارة والخشب واستعمال السحر. وقارن في هذه الشبهة مع نهاية الإقدام للشهرستاني (ص ٤١٩ - ٤٢٠)، والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص ١٢٣).

<<  <   >  >>