للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: ما قتلت إلا أباك، قالت: والله إني لأرجو ألا يكون على أمير المؤمنين بأس، قال: فلمَ تبكين إذن؟! ثم قال: والله لقد سممته شهرًا -يعني: سيفه- فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه.

فلما مات علي أخرج ابن ملجم ليقتل، فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه بمسمار محمى، فلم يجزع، وجعل يقرأ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)[العلق: ١]، حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، فعولج على قطع لسانه فجزع، فقيل له: لِمَ تجزع؟ قال: أكره أن أكون في الدنيا فواقا لا أذكر الله، وكان رجلًا أسمر في جبهته أثر السجود (١).

قال المصنف: قلت: ولما أراد الحسن أن يصالح معاوية خرج عليه من الخوارج الجراح بن سنان، وقال: أشركت كما أشرك أبوك! ثم طعنه في أصل فخذه (٢).

وما زالت الخوارج تخرج على الأمراء ولهم مذاهب مختلفة، وكان أصحاب نافع بن الأزرق يقولون: نحن مشركون ما دمنا في دار الشرك (٣)، فإذا خرجنا فنحن مسلمون. قالوا: ومخالفونا في المذهب مشركون، ومرتكبو الكبائر مشركون، والقاعدون عن مرافقتنا في القتال مشركون كفرة (٤). وأباح هؤلاء قتل النساء


(١) أخرجه ابن سعد في "طبقاته" (٣/ ٣٥). وانظر: "القصة في تاريخ الأمم والملوك" (٥/ ١٤٦، ١٤٧)، و"المنتظم" (٥/ ١٧٥)، و"البداية والنهاية" (٧/ ٣٤١).
(٢) انظر: تاريخ الأمم والملوك (٥/ ١٦٢)، والمنتظم (٥/ ١٨٣ - ١٩٤)، والكامل لابن الأثير (٣/ ٢٧١)، والبداية والنهاية (٨/ ١٦ - ١٧ - ١٨). وذكروا أنّ الحسن جُرِح في هذه الحادثة ولم يذكروا أن الجرّاح بن سنان هو الذي طعنه، وكان ذلك الصلح سنة ٤١ هـ، وسمّي بعام الجماعة.
(٣) دار الشرك عند الخوارج: هي دار مخالفيهم من المسلمين، أما دارهم فقد سموها "دار الهجرة". انظر: آراء الخوارج الكلامية، د. الطالبي (١/ ١١٦).
(٤) هذه فرقة الأزارقة من الخوارج، وتلك آراؤها، وقد سبق الحديث عنها (ص ١١٤). =

<<  <   >  >>