ولقد كانت معرفة هذا تصعب ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل والتعب الكثير حتى يعرف ذلك، فصنفت الكتب وتقررت السنن وعرف الصحيح من السقيم، ولكن غلب المتأخرين الكسلُ بمرة عن أن يطالعوا علم الحديث، حتى إني رأيت بعض الاكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ في الصحاح: لا يجوز أن يكون رسول الله ﷺ قال هذا، ورأيته يحتج في مسألة فيقول: دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله ﷺ قال كذا، ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتج به خصمه أن يقول: هذا الحديث لا يُعرف. وهذا كله جناية على الإسلام!
• ومن تلبيس إبليس على الفقهاء: أن جُلَّ اعتمادهم على تحصيل علم الجدل، يطلبون بزعمهم تصحيح الدليل على الحكم والاستنباط لدقائق الشرع وعلل المذاهب، ولو صحت هذه الدعوى منهم لتشاغلوا بجميع المسائل، وإنما يتشاغلون بالمسائل الكبار ليتسع فيها الكلام، فيتقدم المناظر بذلك عند الناس في خصام النظر، فَهَمُّ أحدهم ترتيب المجادلة والتفتيش على المناقضات، طلبًا للمفاخرة والمباهاة، وربما لم يعرف الحكم في مسألة صغيرة تعم بها البلوى.
• ومن تلبيس إبليس عليهم: إدخالهم في الجدال كلام الفلاسفة، واعتمادهم على تلك الأوضاع.
• ومن ذلك: إيثارهم للقياس على الحديث المستدل به في المسألة؛ ليتسع لهم المجال في النظر، فإن استدل أحد منهم بالحديث هُجِّنَ، ومن الأدب تقديم الاستدلال بالحديث.
• ومن ذلك: أنهم جعلوا النظر جل أشغالهم، ولم يمزجوه بما يرقق القلوب من قراءة القرآن وسماع الحديث وسيرة الرسول ﷺ وأصحابه.