• ومن ذلك: أن أحدهم يبين له الصواب مع خصمه ولا يرجع، ويضيق صدره كيف ظهر الحق مع خصمه، وربما اجتهد في رده مع علمه أنه الحق، وهذا من أقبح القبيح؛ لأن المناظرة إنما وضعت لبيان الحق.
وقد قال الشافعي رحمة الله عليه: ما ناظرت أحدا فأنكر الحجة إلا سقط من عيني، ولا قبلها إلا هِبْتُهُ، وما ناظرت أحدًا فباليت مع من كانت الحجة، إن كانت معه صرت إليه (١).
• ومن ذلك: أن طلبهم للرياسة بالمناظرة يثير الكامن في النفس من حب الرياسة، فإذا رأى أحدهم في كلامه ضعفًا يوجب قهر خصمه له خرج إلى المكابرة، وإن رأى خصمه قد استطال عليه بلفظة ظهرت حمية الكبر، فقابل ذلك بالسب، فصارت المجادلة مجالدة.
• ومن ذلك: ترخصهم في الغيبة بحجة الحكاية عن المناظرة، فيقول أحدهم: تكلمت مع فلان فما قال شيئًا، ويتكلم بما يوجب التشفي من عرض خصمه بتلك الحجة.
• ومن ذلك: أن إبليس لبَّس عليهم بأن الفقه وحده هو علم الشرع ليس ثَمَّ غيره، فإن ذكر لهم محُدِّث، قالوا: ذاك لا يفهم، وينسون أن الحديث هو الأصل، فإن ذكر لهم كلام يلين به القلب، قالوا: هذا كلام الوعاظ.
• ومن ذلك: إقدامهم على الفتوى وما بلغوا مرتبتها، وربما أفتوا بواقعهم المخالف للنصوص، ولو توقفوا في المشكلات كان أولى!
فقد أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي، قال: أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري، قال: أنا محمد بن الحسين بن الفضل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن
(١) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (١٥/ ١٤ مخطوط) وذكره الذهبي في السير (١٠/ ٣٣)، وابن حجر في توالي التأسيس (ص ١١٢) بنحوه.