وإنما كانت هذه سجية السلف لخشيتهم الله ﷿ وخوفهم منه، ومن نظر في سيرهم تأدّب.
• ومن تلبيس إبليس على الفقهاء: مخالطتهم للأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك، وربما رخصوا لهم ما لا رخصة فيه؛ لينالوا من دنياهم، فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه:
° الأول: الأمير: فيقول: لولا أني على صواب لأنكر عليَّ الفقيه، وكيف لا أكون مصيبًا وهو يأكل من مالي!
° والثاني: العامي: فإنه يقول: لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله؛ فإن فلانًا الفقيه لا يبرح عنده.
° والثالث: الفقيه: فإنه يفسد دينه بذلك.
وقد يلبس إبليس عليهم في الدخول على السلطان فيقول: إنما ندخل لنشفع في مسلم. وينكشف هذا التلبيس بأنه لو دخل غيره فشفع لما أعجبه ذلك ولربما قدح في ذلك الشخص لينفرد بالسلطان.
ويلبس عليه إبليس في أخذ أموالهم فيقول: لك فيها حق! ومعلوم أنها إن كانت من حرام لم يحل له منها شيء، وإن كانت من شبهة فتركها أولى، وإن كانت من مباح جاز له الأخذ بمقدار مكانه من الدين، لا على وجه إنفاقه في إقامة الرعونة، وربما اقتدى العوام بظاهر فعله فاستباحوا ما لا يستباح.
وقد لبس إبليس على قوم من العلماء ينقطعون عن السلطان إقبالًا على التعبد والدين، فيزين لهم غِيْبة من يدخل على السلطان من العلماء، فجمع لهم آفتين: غيبة الناس، ومدح النفس.