للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف: هذه الأحاديث مخرجة في الصحاح، وهي على خلاف ما تعتقده المتصوفة من أن إكثار المال حجابٌ وعقوبة، وأن حبسه ينافي التوكل.

ولا يُنكر أنه يُخاف من فتنته، وأن خلقًا كثيرًا اجتنبوه لخوف ذلك، وأن جمعه من وجهه يعز، وسلامة القلب من الافتتان به يبعد، واشتغال القلب مع وجوده بذكر الآخرة يندر؛ ولهذا خيفت فتنته.

° فأما كسب المال فإن مَنِ اقتصر على كسب البلغة من حِلِّها فذاك أمر لابد منه، وأما من قصد جمعه والاستكثار منه من الحلال نظر في مقصوده: فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود، وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته، وادَّخر لحوادث زمانه وزمانهم، وقصد التوسعة على الإخوان وإغناء الفقراء وفعل المصالح أُثيب على قصده، وكان جمعه بهذه النية أفضل من كثير من الطاعات.

وقد كانت نِيَّاتُ خَلقٍ كثير من الصحابة في جمع المال سليمة؛ لحسن مقاصدهم بجمعه، فحرصوا عليه وسألوا زيادته.

وأخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثنا أبي، قال: ثنا حماد بن خالد، قال: ثنا عبد الله -يعني ابن عمر العمري- عن نافع، عن ابن عمر أن النبي أقطع الزبير حُضْر فرسه (١) بأرض يقال لها ثرير، وأجرى الفرس حتى قام، ثم رمى سوطه فقال: "أعطوه حيث بلغ السَّوطُ" (٢).


(١) أي: عَدْوَ فَرَسِهِ. النهاية (حضر).
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ١٥٦)، ورواه أبو داود (٣/ ٤٥٣ رقم ٣٠٧٢)، وأورده ابن حجر في التلخيص (٣/ ٧٣) وعزاه لأحمد وأبي داود، وقال: وفيه العمري الكبير وفيه ضعف، وله أصل في الصحيح من حديث أسماء بنت أبي بكر. انظر البخاري (٦/ ٢٥٢ رقم ٣١٥١).

<<  <   >  >>