للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحصُّنِ بالأبنيةِ والدُّروعِ، ومَن عطَّل نِعمةَ اللهِ تعالى بِترْكِ الاحترازِ فقد عطَّل حِكمته، كَمَن تركَ الأغذِيةَ والأدوِيةَ فماتَ جُوعًا أو مرَضًا.

فلا أبلَهَ مِمَّن يدَّعِي العقلَ والعلمَ ويستَسْلم للبلاءِ! إنَّما يَنْبَغي أن تكونَ أعضاءُ المتوكِّلِ في الكسبِ وقلبُهُ ساكنٌ مفوِّضٌ للحقِّ منَعَ أو أعطَى؛ لأنهُ يرَى أن الحقَّ لا يتصرَّفُ إلا بحكمَةٍ ومصلَحَةٍ، فَمَنْعُهُ عطاءٌ في المَعنى.

وكم زيَّنَ للعجَزةِ عَجْزَهُم وسوَّلَتْ لهُم أنفُسُهم أن التفرِيطَ توكُّلٌ! فصاروا في غُرورِهِم بِمثابَةِ مَن اعتَقَد التَّهوُّرَ شجاعةً والخَورَ حَزْمًا!

ومتى وُضعت الأسبابُ وأُهمِلَت كانَ ذلكَ جهلًا بحِكمةِ الواضعِ، مثل ما وَضَعَ الطعامَ سببًا للشِّبع، والماءَ للرِّيّ، والدَّواءَ للمَرَضِ، فإذا تركَ الإنسانُ ذلكَ إهوانًا بالسَّببِ، ثم دَعا وسأَل فرُبَّما قيلَ لهُ: قد جعلنا لعافيتكَ سَببًا، فإذا لَم تَتَناولْهُ كان إهمالًا لِعَطائنا، فرُبما لَم نُعافِكَ بِغيرِ سبب لإهْوانِك بالسَّببِ، وما هذا إلَّا بِمثابةِ مَن بَينَ قَراحِهِ وماءِ السَّاقِيةِ رفْسَةُ زنبيل (١)، فأخذَ يُصلِّي صلاةَ الاستِسقاءِ طلَبًا للمطَر، فإِنهُ لا يُسْتَحْسَن منهُ ذلكَ شَرعًا ولا عَقلًا.

قال المصنف قلت: فإن قالَ قائلٌ: كيف أحترِزُ مع القَدَرِ؟!

قيل له: وكيفَ لا تَحْترِزُ مع الأوامِرِ مِن المُقَدِّرِ؟! فالذي قدَّرَ هو الذِي أمرَ، وقد قال تعالى: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: ٧١].

أنبأنا إسماعيلُ بن أحمد، قال: نا عاصمُ بنُ الحسنِ، قال: نا ابن بِشْران، قال: ثنا ابنُ صفوان، قال: نا أبو بكرٍ القُرَشي، قال: حدثني سُريجُ بنُ يونُس، قال: حدثنا عليُّ


(١) في (ت) رفسة مسحاة. والرَّفْسَة: الصَّدْمَة بالرِّجْلِ في الصدر. والزَّبِيل والزِّنْبِيل: الجِراب وقيل: الوِعاء يُحْمل فيه فإِذا جَمَعوا قالوا: زَنابِيل وقيل: الزَّنْبيل خطأ وإِنما هو زَبيل وجمعه زُبُل وزُبْلان. انظر: اللسان ٦/ ١٠٠ و ١١/ ٣٠٠ والقاموس المحيط ص ٧٠٧ والمصباح المنير ص ٢٥١.

<<  <   >  >>