للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال ﷿ في بابِ الاحتياط: ﴿لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ [يوسف: ٥]، وقال: ﴿لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ﴾ [يوسف: ٦٧] (١)، وقال: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ [الملك: ١٥] (٢).

وهذا لأنَّ الحرَكةَ للذَّبِّ عن النفسِ استعمالٌ لإظهار نعمةِ اللهِ تعالى، وكما أن اللهَ تعالى يريدُ إظهارَ نِعَمِهِ المُبْتَدَاة يريدُ إظهارَ وَدائِعهِ، فلا وجهَ لتعطيلِ ما أوْدَعَ اعتمادًا على ما جادَ بهِ، لكن يجبُ استعمالُ ما عِندكَ ثم اطلُب ما عِنده.

وقد جعل اللهُ تعالى لِلطَّيرِ والبَهائِمِ أسلِحةً تدفَعُ بها عنها الشُّرورَ، كالمخلبِ والمِنْقَر والنَّابِ، والحُمَة وخلقَ للآدمِيِّ عقلًا يقودُهُ إلى حَملِ الأسلِحةِ ويهديهِ إلى


(١) وقال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان ٣/ ٣٩٨ معلقًا على هذه الآية: ومما يوضح أن تعاطي الأسباب لا ينافي التوكل على الله قوله تعالى عن يعقوب: ﴿يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف: ٦٧] فأمرهم بالتفرق والدخول من أبواب متفرقة؛ تعاطيًا للسبب في السلامة من إصابة العين كما قال غير واحد من علماء السلف ومع هذا التسبب فقد قال الله عنه: ﴿وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ فانظر كيف جمع بين التسبب في قوله: ﴿لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ﴾ وبين التوكل على الله في قوله: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ وهذا أمر معلوم لا يخفى إلا على من طمس الله بصيرته. وانظر: تفسير السعدي ١/ ٤٠٢.
(٢) ومعنى قوله: ﴿فِي مَنَاكِبِهَا﴾ [الملك: ١٥] يعني في أطرافها وطرقها وفجاجها. انظر: تفسير مجاهد ٢/ ٦٨٥ وتفسير الطبري ٦/ ٢٩. وقال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان ٨/ ٢٣٩ معلقًا على هذه الآية: فيكون المشي في مناكب الأرض واستخدام مناكبها واستغلال ثرواتها والانتفاع من خيراتها لا لطلب الرزق وحده وإلا لكان يمكن سوقه إليهم ولكن للأخذ بالأسباب أولًا، وللنظر في المسببات والعبرة بالمخلوقات والتزود لما بعد الممات وعليه فقد وضع القرآن الأمة الإسلامية في أعز مواضع الغنى والاستغناء والاستثمار والإنتاج فما نقص عليها من أمور دنياها إلا بقدر ما قصرت هي في القيام بهذا العمل وأضاعت من حقها في هذا الوجود .. وعلى الأمة الإسلامية أن تعمل على استثمار وإنتاج كل حاجياتها حتى الإبرة؛ لتستغني عن غيرها وإلا احتاجت إلى الغير بقدر ما قصرت في الإنتاج. وهذا هو واقع العالم اليوم، إذ القدرة الإنتاجية هي المتحكمة وذات السيادة الدولية وقد أعطى الله العالم الإسلامي الأولوية في هذا كله فعليهم أن يحتلوا مكانهم ويحافظوا على مكانتهم ويشيدوا كيانهم بالدين والدنيا معًا وبالله التوفيق. وانظر: تفسير ابن كثير ٤/ ٣٩٨.

<<  <   >  >>