للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• أخبَرنا أبو منصُورٍ القزَّاز، قال: أنا أحمدُ بنُ عليِّ بن ثابتٍ، قال: أنا إسماعيلُ الحيرِى، قال: نا محمدُ بن الحسَينِ السُّلَمِي، قال: سمعتُ أبا العبَّاسِ محمدَ بنَ الحسَن البغداديَّ، يقول: سمعتُ الشبلِي يقول: أعرِفُ مَن لمَ يدخُل في هذا الشَّأنِ حتَّى أنفَقَ جميعَ مُلكِهِ، وغَرَّقَ في هذهِ الدّجلةِ سبعينَ قِمَطْرًا (١) مكتُوبًا بِخَطِّهِ، وحفِظَ الموطَّأ وقرَأ بِكذا وكذا قراءةً. يعني: بهِ نفسَه (٢).

قال المصنِّفُ قلت: قد سبَقَ القولُ بأنَّ العِلمَ نورٌ، وأنَّ إبليسَ يُحَسِّنُ للإنسانِ إطفاءَ النُّور؛ لِيتمكَّنَ منهُ في الظُّلمَة، ولا ظُلمةَ كظُلمَةِ الجهلِ.

ولمَّا خافَ أن يعاوِدَ هُؤلاءِ مُطالَعَةَ شَيءٍ من العلمِ، فربما استدلُّوا علَى مَكايِدِه بذلكَ، حَسَّنَ لهم دفنَ الكتُبِ وإتلافَها، وهذا فعلٌ قبيحٌ محظورٌ، وجَهْلٌ بالمقصودِ بالكُتُبِ.

وبيانُ هذا أنَّ أصلَ العُلومِ القُرآنُ والسُّنَّة، فلمَّا علِمَ الشرعُ أنَّ حفظَهُما يصعُبُ أمَرَ بِكِتابةِ المصحَفِ وكِتابةِ الحديثِ:

- فأمَّا القُرآن فإنَّ رسولَ الله كان إذا نَزَلت عليهِ آيةٌ دعَا بالكاتبِ فأثبَتَها، وكانوا يكتبُونها في العُسُبِ والحِجارةِ، ثمَّ جَمعَ القرآنَ بعدَهُ في المصحَفِ أبو بكرٍ، ثم نَسخَ مِن ذلكَ عُثمانُ بن عفَّانٍ ، كلُّ ذلك لحِفظ القُرآن؛ لئلَّا يشُذَّ منهُ شيءٌ (٣).


(١) القِمَطْرُ والقِمْطَرَةُ: ما تُصان فيه الكتب، والجمع قَماطِرُ. انظر: لسان العرب ٥/ ١١٧ والمصباح المنير ص ٥١٦.
(٢) أخرجه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤/ ٣٩٣ وابن عساكر في تاريخ دمشق ٦٦/ ٥٤ والذهبي في السير ١٥/ ٣٦٩.
(٣) بوَّب البخاري بابًا في جمع القرآن وذكر الأحاديث في جمع أبي بكر ونسخ عثمان للقرآن رقم (٤٧٠١ - ٤٧٠٤) وأوضح ذلك وشرحه الخطابي في أعلام الحديث ٣/ ١٨٥١ - ١٨٦١ وابن حجر في الفتح ٩/ ١٢.
وانظر لمزيد بيان في مسألة جمع القرآن: شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/ ١٩ فضائل القرآن للنسائي ص ٧٩ - ٨١ وشروط الأئمة لابن منده ص ٢٦ ومناهل العرفان ١/ ٢٤٠ والبرهان في علوم القرآن =

<<  <   >  >>