للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا كَلَّمْتُكَ أَبدًا. فأَغْلَقَ البابَ في وجهي، ودَخَلَ (١).

قال المصنِّف : قلتُ: انْظُروا إِلى هذا الفقهِ الدقيقِ، كيفَ هَجَرَ مسلمًا على فعلِ جائزٍ، بل مندوبٍ؛ لأَنَّ الإنسانَ مأْمورٌ أَنْ يعدَّ لنفسهِ ما يُفْطِرُ عليه، واستعدادُ الشيءِ قبلَ مجيءِ وقتِه حَزْمٌ؛ ولذلك قالَ الله ﷿: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠]، وقد ادَّخَر رسولُ الله لأزواجهِ قوتَ سنةٍ (٢)، وجاءَ عُمَرُ بنصفِ مالِه وادَّخَرَ الباقي، ولم يُنْكَرْ عليهِ (٣)، فالجهلُ بالعلمِ أَفسدَ هؤلاءِ الزُّهَّادِ!

• أخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: أنا أبو سعد بن أبي صادق، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه، قال: أنا أبو العباس أحمد بنِ إِسحاقَ العُمانيِّ، قالَ: رأيْتُ بالهندِ شيخًا، قد أَتى عليه مائة سنةٍ وقد غمض إحدى عينَيْه وكانَ يُلَقبُ بالصابرِ، فقلتُ لهُ: يا صابِرُ! ما بَلَغَ مِن صبرِكَ؟ قالَ: إِنِّي هويتُ النَّظَرَ إِلى زينةِ الدُّنيا، فلم أُحِبَّ أَنْ أَشْتَفِيَ منها، فغمضتُ عَيْني منذُ ثمانينَ سنةً، فلم أَفْتَحْها!

وقد حكى لنا عن آخر، أنه قيَّر أحد عينيه وقال: النظر إلى الدنيا بعينين إسراف. ونحن نسأل الله سلامة العقول.

• وقد حكى يوسُفُ بنُ أَيُّوبَ الهَمْذانيُّ عن شيخِهِ عبدِ اللهِ الجَوْنيّ أَنه كانَ يقولُ: هذه الدولةُ ما أَخرجْتُها مِن المِحْرابِ، بل مِن موضعِ الخلاءِ! وقالَ: إني كنتُ أَخدِمُ في الخلاءِ، فبينا أَنا يومًا أَكْنِسُهُ وأُنَظِّفُهُ، قالتْ لي نفْسي: أَذْهَبْتَ عُمُرَكَ في هذا!


(١) الإحياء ٤/ ٤٥٤ وذكره عبد الحق الإشبيلي في العاقبة في ذكر الموت ص ٦٨.
(٢) الحديث عن عمر أخرجه البخاري رقم (٥٣٥٧) ومسلم رقم (١٧١٥) والنسائي ٧/ ١٣٢ وفي الكبرى ٤/ ٦٥ و ٥/ ٣٧٧ و ٦/ ٤٨٤ وأبو داود رقم (٢٩٦٣) و (٢٩٦٥) والترمذي رقم (١٧١٩) والإمام أحمد في مسنده ١/ ٤٨٢٥.
(٣) أخرجه أبو داود رقم (١٦٧٧) والترمذي رقم (٣٦٧٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والدارمي ١/ ٤٨٠ والحاكم في المستدرك ١/ ٥٧٤ وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>