للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلتُ: أَنتِ تأْنفينَ مِن خدمةِ عبادِ الله! فوَسَّعْتُ رأْسَ البئرِ، ورميتُ نفسي فيها، وجعلتُ أُدْخِلُ النجاسةَ في فَمي، فجاؤوا، وأَخْرَجوني، وغَسَّلوني (١) (٢).

قال المصنف: قلتُ: انْظُروا إِلى هذا المسكينِ كيفَ اعْتَقَدَ جمعَ الأصحابِ حوله دولةً، واعْتَقَدَ أَنَّ تلكَ الدولةَ إِنَّما حَصَلَتْ بإِلقاءِ نفسهِ في النجاسةِ، وإِدخالهِا في فيهِ، وأنه قد نالَ بذلك فضيلةً أُثيبَ عليها بكثرةِ الأصحابِ! وهذا الذي فعلَهُ معصيةٌ توجِبُ العقوبَةَ وفي الجُملةِ لمَّا فقَدَ هؤلاءِ العلمَ كَثُرَ تخبطُهُم.

• أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنا محمد بن علي بن الفتح، قال: أنا محمد بن الحسين بن موسى، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان، يقول: سمعت محمد بن عليٍّ الكَتَّانيَّ، يقول: دَخَلَ الحُسينُ بنُ منصورٍ مكَّةَ في ابتداءِ أَمرهِ، فجَهِدْنا حتى أَخَذْنا مرَّقَعَتَهُ، قال السوسي: أَخَذْنا منها قملةً، فوزنَّاها فإِذا فيها نصفُ دانقٍ من كثرةِ رياضتِه! وشدَّةِ مجاهدَتِه (٣)!

قال المصنف : قلتُ: انْظُروا إلى هذا الجاهلِ بالنظافةِ التي حَثَّ عليها الشرعُ، وأَباحَ حَلْقَ الشعرِ المحظورِ على المُحْرِمِ؛ لأجلِ تأَذِّيهِ بالقَمْلِ، وجبر الحلق بالفديةِ (٤)، وأَجْهَلُ مِن هذا مَن اعْتَقَدَ مثل هذا رياضةً!


(١) ذكر نحو هذة القصة: الشعراني في طبقاته ٢/ ١٤٣ وفي الأنوار القدسية ٢/ ٤٤ وأشار إلى ارتيادهم المزابل وارتياحهم لها اليافعي في نشر المحاسن ص ٢٧٠ و ٢٨٠.
(٢) ذكره نحوه القشيري في الرسالة ص ١٨٧.
(٣) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ٨/ ١١٨ وذكره الذهبي في السير ١٤/ ٣١٧. وقال تعليقًا عليه: ابن شاذان متهم وقد سمعنا بكثرة القمل أما كبر القمل فما وقع؛ ولو كانِ يقع لتداوله الناس.
(٤) كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]. كذا حديث كعب بن عجرة عن رسول الله أنه قال: "لعلك آذاك هوامك؟ " قال: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله : "احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة". أخرجه البخاري رقم (١٧١٩) وهذا لفظه ومسلم رقم (١٢٠١).

<<  <   >  >>