للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: مَنْ رأيته يَدَّعِي مع الله ﷿ حالةً تُخْرِجُهُ عن حَدِّ عِلْمٍ شرعي فلا تَقْرَبَنَّهُ، ومن رأيته يدعي حالة باطنة لا يَدُلُّ عليها ويَشْهَدُ لها حِفْظٌ ظاهر فاتَّهِمْهُ على دينه (١).

الشبهةُ السادسةُ: أَنّ أَقوامًا بالَغوا في الرياضةِ، فرأَوْا ما يُشْبِهُ نوعَ كرامةٍ، أو مناماتٍ صحت، أَو فُتحَت عليهِم كلماتٌ لطيفةٌ أَثْمَرَها الفكرُ والخلوةُ، فاعْتَقَدوا أَنَّهُم قد وَصَلوا إِلى المقصودِ فرفضوا الأوامر والنواهي وقالوا: إنما هي أدوات للوصول إلى المقصود وقد وَصَلْنا، فما يضرُّنا شيءٌ، ومَن وَصَلَ إِلى الكعبةِ انقطَعَ عنه السَّيْرِ! فتركوا الأعمالَ، إِلا أَنَّهُم يُزَيِّنونَ ظواهِرَهُم بالمُرَقَّعَةِ والسجَّادةِ (٢) والرَّقصِ والوَجْدِ، ويتكلَّمونَ بعباراتِ الصوفيةِ في المعرفةِ والوَجْدِ والشوقِ.

وجوابهم هو جواب الذين قبلهم.

قال ابنُ عقيلٍ: اعْلَمْ أَنَّ الناسَ شَرَدوا على اللهِ ﷿ وبَعُدوا عن وضعِ الشرعِ إِلى أَوضاعِهِم المُخْتَرَعَةِ.

فمنهُم: مَن عَبَدَ سواهُ؛ تعظيمًا لهُ عن العبادةِ، وجَعَلوا تلكَ وسائلَ على زعمِهِمْ.


(١) أخرجه أبو نعيم مطولًا في الحلية ١٠/ ٢٥٢ وعنه المؤلف هنا مقتصرًا على محل الشاهد. ولعل من تمام الفائدة أن أنقل ما ذكره شيخ الإسلام في الفتاوى ١١/ ٤١٨ إذ قال : "ومن هؤلاء من يظن أن الاستمساك بالشريعة أمرًا ونهيًا إنما يجب عليه ما لم يحصل له من المعرفة أو الحال فإذا حصل له لم يجب عليه حينئذ الاستمساك بالشريعة النبوية بل له حينئذ أن يمشي مع الحقيقة الكونية القدرية أو يفعل بمقتضى ذوقه ووجده وكشفه ورأيه من غير اعتصام بالكتاب والسنة وهؤلاء منهم من يعاقب بسلب حاله حتى يصير منقوصًا عاجزًا محرومًا ومنهم من يعاقب بسلب الطاعة حتى يصير فاسقًا ومنهم من يعاقب بسلب الإيمان حتى يصير مرتدًا منافقًا أوكافرًا مُلَعَّنًا".
(٢) ليعلم أن رسول الله ما كان يصلي على سجادة بل كان يصلي إمامًا بجميع المسلمين يصلي على ما يصلون عليه ويقعد على ما يقعدون عليه لم يكن متميزًا عنهم بشيء يقعد عليه لا سجادة ولا غيره ولكن يسجد أحيانًا على الخُمْيرة؛ لأن المسجد لم يكن مفروشًا بل كانوا يصلون على الرمل والحصى وكان أكثر الأوقات يسجد على الأرض حتى يبين الطين في جبهته . انظر: الفتاوى ٢١/ ١١٦.

<<  <   >  >>