للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهُم: مَن وحَّد؛ إِلا أَنه أَسقطَ العباداتِ، وقالَ: هذه أَشياءُ نُصِبَتْ للعوامِّ لعَدَمِ المعارفِ!

وهذا نوعُ شركِ؛ فإنَّ الله ﷿ لما علمَ أَنَّ معرِفتهُ ذاتُ قَفْرٍ بعيدٍ وجَوٍّ عالٍ، وبعيدٌ أَنْ يَتَّقي مَن لم يَعْرِفْ خوفَ النارِ؛ لأنَّ الخَلْقَ قد عَرَفوا قَدْرَ لذعِها، وقال لأهل المعارف: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨، ٣٠].

وعلم أن المتَعَبُّدَات أَكْثَرُها تقتضي الأُنس بالأمثالِ وَوَضْعَ الجهاتِ والأمكنة والأبنية والحجارة للأنساك والاستقبال، وأبان عن حقائق الإيمان به فقال: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ [البقرة: ١٧٧]، ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا﴾ [الحج: ٣٧]؛ فَعُلِمَ أَنَّ المعوَّلَ على المقاصِدِ، ولا يكفي مجرَّدُ المعارفِ مِن غيرِ امتِثالٍ، كما عَوَّلَ عليهِ الملحدةُ الباطنيةُ، وشُطَّاحُ الصوفيةِ (١).

أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزار، قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: أخبرني جماعة من أهل العلم أن بشيرازَ رجلًا يعرف بابن خفيف البغدادي شيخِ الصوفية هناك يجتمعون إليه فيتكلمُ على الخطرات والوساوس ويحضر حلقته ألوف من الناس وأنه فَارِهٌ (٢) فَهِمٌ حاذق، فاستغوى الضعفاء من الناس إلى هذا المذهب.


(١) وكلام الأئمة عن هؤلاء يصعب حصره ومزاعمهم هذه منسوجة من اعتقادات الباطنية، وفد سئل شيخ الإسلام عن مثل هؤلاء فأجاب بقوله: "أما من جعل كمال التحقيق الخروج من التكليف فهذا مذهب الملاحدة من القرامطة والباطنية ومن شابههم من الملاحدة المنتسبين إلى علم أو زهد أو تصوف أو تزهد يقول أحدهم: إن العبد يعمل حتى تحصل له المعرفة فإذا حصلت زال عنه التكليف ومن قال هذا فإنه كافر مرتد باتفاق أئمة الإسلام فإنهم متفقون على أن الأمر والنهي جار على كل بالغ عاقل إلى أن يموت". الفتاوى ١١/ ٥٣٩. وانظر لمزيد بيان: درء التعارض ٣/ ٢٧٠ - ٢٧٤ والاستقامة ١/ ٤١٨.
(٢) الفارِهُ: الحاذِقُ بالشيء. انظر: مختار الصحاح ص ٢١٠ واللسان ١٣/ ٥٢٢.

<<  <   >  >>