للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وذكر محمد بن الفضل الهَمْذَاني المؤرخ قال: حدثني أبي، قال: كان الشَّرْمقاني المقرئ يقرأ على ابن العلاف، وكان يأوي إلى مسجد بدرب الزعفراني، فاتفق أَنَّ ابنَ العلاف رآه ذاتَ يومٍ في وقت مجاعة وقد نزل إلى دجلة وأخذ من أوراق الخس ما يرمي به أصحابه، وجعل يأكله فَشَقَّ ذلك عليه، وأتى إلى رئيس الرؤساء فأخبره بحاله.

فتقدم إلى غلام بالمضي إلى المسجد الذي يأوى إليه الشَّرْمقاني وأَنْ يعملَ لبابهِ مفتاحًا من غير أن يعلمه ففعل، وتقدم إليه أَنْ يحملَ في كل يوم ثلاثة أرطال خبزًا سميدًا (١) ومعها دجاجة وحلوى سكرًا، ففعل الغلام ذلك وكان يحمله على الدوام.

فأتى الشَّرْمقاني في أول يوم فرأى ذلك في القبلة مطروحًا ورأى البابَ مغلقًا فتعجب، وقال في نفسه: هذا من الجنة ويجب كتمانه وأَنْ لا أحدث به، فإنَّ مِن شرطِ الكرامة كتمانها، وأنشدني:

مَنْ أطلعوه على سِرٍّ فباحَ به … لم يَأْمَنُوه على الأسرارِ ما عاشا

فلما اسْتَوَتْ حاله وأخْصَبَ جسمه، سأله ابن العلاف عن سبب ذلك وهو عارف به، وقَصَدَ المزح معه، فأخذ يُوَرِّي ولا يُصَرِّحُ، ويكَنِّي ولا يُفْصِحْ، ولم يزل ابن العلَّاف يستخبره حتى أخبره أَنَّ الذي يجده في المسجد كرامة نزلت من الجنة؛ إِذْ لا طريقَ لمخلوقٍ عليه.

فقال له ابن العلاف: يجب أن تدعو لابن المسلمة؛ فإنه هو الذي فعل ذلك. فَنَغَّصَ عليه عَيْشَهُ بإخبارهِ وبانت عليه شواهدُ الانكسار (٢).


(١) جاء في المنتظم للمؤلف ٨/ ٢١٣: خبزًا سميذًا بالذال المعجمة. والسَّمِيذ: لغة في السَّمِيد وهو لباب الدقيق. انظر: القاموس المحيط ص ٤٢٥ والمعجم الوسيط ١/ ٤٤٧.
(٢) ذكر هذه القصة المؤلف في المنتظم ٨/ ٢١٢ وابن كثير في البداية والنهاية ١٢/ ٨٤ والذهبي في معرفة القراء الكبار ١/ ٤١٢ وابن تغري بردي في النجوم الزاهرة ٥/ ٦٥.

<<  <   >  >>