للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالمُلَامَسَةِ، وَإلْقَاءِ الحَجَر، وَالمُنَابَذَةِ، ولا المَرَاعِي

===

مالك. وتفسيرها أن يهب الرُّجل ثمرة نخلةٍ من بستانه لإنسانٍ ثم يشقّ عليه الدُّخول في بُسْتَانِهِ كلّ يومٍ، ولا يرضى بالخُلْف في الوعد، والرّجوع في الهبة، فيعطيه مكان ذلك تمراً مجذوذاً بالخَرْص ليدفع ضرره عن نفسه. وهذا جائزٌ عندنا، لأنّ الموهوب لا يصير ملكاً للموهوب له ما دام متصلاً بملك الواهب، فما يعطيه من التّمر لا يكون عوضاً بل هبةً مبتدأة، وإنّما سُمِّيَ بيعاً مجازاً لأنَّه في صورته. ثمّ ذلك المرويّ اتُّفِقَ أنه كان أقل من خمسة أوْسُقٍ أو خمسةَ أوْسُقٍ، فظنّ الرَّاوي أنّ الرُّخصة مقصورةٌ على ذلك القَدْر.

وقال قومٌ: العرايا: أنْ يكون له النّخلة أو النَّخلتان في وسط النّخل الكثير لرجلٍ آخر، وكان أهل المدينة يخرجون وقت الثِّمار إلى حوائطهم (١) بأهليهم، فيضرّ ممرّ (٢) صاحب النَّخلة صاحب النّخل الكثير، فرخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعْطِي صاحبَ النُخلة خرص ماله من ذلك تمراً لينصرف عنه ويَخْلُصَ التّمر كله له. وهذا مرويّ عن مالك، والتأويل الأول قول أبي حنيفة رحمه الله. قال الطَّحَاوِيّ، وهو أنسب وأولى ممّا قال مالك، لأنّ العَرِيَّة إنَّما هي العَطِيَّة.

(وَ) لا بيع (المَلَامَسَةِ، وَ) لا بيع (إلْقَاءِ الحَجَر، وَ) لا بيع (المُنَابَذَةِ) لأنّ في كلّ واحدٍ من هذه البِياعات تعليق الملك بالخطر، وفيه معنى القمار. وقد كان في الجاهلية يتساوم الرَّجلان السّلعة فإذا لمسها المشتري، أو نبذها إليه البائع، أو وضع المشتري عليها حصاةً لزم البيع. فالأوّل الملامسة، والثاني المنابذة، والثالث إلقاء الحجر. روى مسلم والبخاري من حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المُلَامَسَةِ، والمُنَابَذَةِ في البيع. والملامسة: لمس الرّجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقبله إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير نظرٍ ولا تراضٍ.

(ولا) بيع (المَرَاعِي) أي الكلأ النّابت في أرضٍ غير مملوكةٍ، أو في أرض البائع بدون تسبُّب منه. أمّا لو تسبّب بأن سقى الأرض، أو هيأها للإنبات، جاز له بيع كلائها لأنّه ملكه، حتّى لو احتشّه إنسانٌ بغير إذنه كان له استرداده. وقال بعضهم: لا يجوز بيعه لأنه ليس بملكه، لأنّ الشَّركة فيه ثابتةٌ بالنّص، فلا تنقطع بدون الحيازة. وتهيئة الأرض للإنبات ليست بحيازةٍ، وكونه نابتاً في أرضه لا يقطع شركتهم عنه، ولا


(١) الحوائط: جمع حائط: البستان.
(٢) في المخطوط: مجيء، والمثبت من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>