للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا إجَارَتُهَا، ولا النَّحْلَةِ إلّا مَعَ الكُوَّارَاتِ، وَلَا أَجْزَاءِ آدَمِيٍّ،

===

يصيّره مملوكاً له، فلم يستفد المشتري بهذا العقد شيئاً لم يكن له، فيبطل. والنّص قوله عليه الصلاة والسلام: «المسلمون شركاء في ثلاثة: في الماء، والكلأ، والنّار». رواه أحمد وأبو داود. والمراد بالماء الذي في الأنهار والآبار لا ما أُخِذَ وجُعِلَ في إناءٍ فإنّه محرزٌ يجوز بيعه. وبالكلأ ما نبت في أرضٍ غير مملوكةٍ، وما نبت في أرضٍ مملوكةٍ بلا إنبات ربّ الأرض، لأنّ ربّ الأرض لا يكون محرزاً له بكونه في أرضه. ومعنى إثبات الشّركة في النّار الانتفاع بضوئها، والاستدفاء بها، وتجفيف الثياب بها. أمّا إِذا أراد أن يأخذ الجمر، فليس له ذلك إلاّ بإذن صاحبها. ذكره القُدُورِيّ.

(وَلا إجَارَتُهَا) أي ولا يجوز إجارة المراعي التي هي الكلأ، لأن إجارتها تقع على استهلاك عين غير مملوكةٍ، وتلك الإجارة غير جائزةٍ كما استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يصحّ، لأنّ محل الإجارة المنافع لا الأعيان. فالإجارة على استهلاك عينٍ مباحةٍ أولى. والحيلة في إجارة المراعي في الأرض المملوكة: أن يستأجر موضعها من الأرض ليضرب فيه فسطاطاً (١) ، أو ليجعله حظيرة لغنمه، فتصحّ الإجارة، ويبيح له صاحب المَرْعَى الانتفاع بالمَرْعَى فيحصل مقصودها.

(ولا) بيع (النَّحْلَةِ إلاّ مَعَ الكُوَّارَاتِ) ـ بضم الكاف وتشديد الواو ـ، وفي الصحاح كُوَّارات النَّحل: عسلها في الشَّمع. أمّا عدم جواز بيع النّحل وحده فعند أبي حنيفة رحمه الله، وأبي يوسف رحمه الله. وقال محمد ومالك والشَّافعيّ وأحمد: يجوز بيعه وحده إذا كان مجموعاً، لأنه حيوان يُنْتَفَعُ به ويُتَمَوّلُ، فيصح بيعه وإن لم يؤكل كالبغل والحمار. ولهما: أنّه من الهوامِّ، فلا يصحّ بيعه كالُزّنْبُور. وفي «الذَّخيرة»: الفتوى على قول محمد.

(وَلَا) بيع (أَجْزَاءِ آدَمِيِ) لكرامته، فلا يجوز بيع شعر الإنسان لأنه جزؤه، ولا بيع لبن المرأة ولو في قدحٍ، حرّةً كانت أو أمة، ولا يضمن متلفه. وقال الشَّافعيّ: يجوز حرةً كانت أو أمةً ويضمن متلفه، لأنّه مشروبٌ طاهرٌ كلبن الشّاة. وقال أبو يوسف: إن كانت أمةً يجوز، وإن كان حرّةً لا يجوز اعتباراً للَّبن بأصله لكونه متولِّداً منه.

ولهما (٢) أنه جزء الآدميّ بدلالة أنّ الشّرع أثبت به حرمة الرضاع بمعنى البعضيّة، والآدمي بكلّ أجزائه مكرمٌ مَصونٌ عن الابتذال والامتهان بالبيع إلاّ فيما حلّ فيه الرّق، والرّق لا يحلّ اللبن، لأنَّه ضعفٌ حكميٌّ، فيختصّ بمحلّ القوة التي هي ضدّه، وهو


(١) الفُسْطَاطُ: بيت يُتَّخذ من الشعر. المعجم الوسيط. ص ٦٨٨.
(٢) أي لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>