للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشِراءُ مَا بَاعَ بأقلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ الأوَّل،

===

بالمبيع على غرض المشتري، فإذا لم يحصل غرضُه ولا أكثره فكأنّه لم يحصل أصلاً. وهذا إذا كان الوصف متفاحشاً، إذ قلة التفاوت لا تُفسد البيع، كما إذا اشترى كبشاً فظهر نعجةً، فإنّ المقصود من الكلّ الأكل، لكنهما مختلفان وصفاً فقلّ التّفاوت.

(وَشَراء مَا بَاعَ) أي ولا يجوز شراء البائع لنفسه أو لغيره من المشتري، أو من وكيله، أو من وارثه ما باع بثمنٍ حال أو مؤجلٍ بنفسه أو بوكيله (بأقلّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ الأوَّل) إن كان المبيع لم ينقص ذاته، واتّحد الثمنان جنساً. وقال الشّافعيّ: يجوز، لأن الملك تمّ بقبض المبيع، فصار شراء البائع بأقلّ كشراء غيره به، وكشرائه بمثل الثَّمن الأوَّل أو بأكثر منه.

ولنا: ما روى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن مَعْمَر والثَّوْرِيّ عن أبي إسحاق السَّبِيعِيّ، عن امرأته أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأةٌ فقالت: يا أمّ المؤمنين، كانت لي جاريةٌ فبعتها من زَيْدِ بن أرْقَم بثمان مئةٍ إلى العطاء، ثم ابتعتها منه بست مئةٍ، فنقدته الست مئة وكتبت عليه ثمان مئة. فقالت عائشة: بئس ما اشتريتِ، وبئس ما اشترى. أخبري زَيْدَ بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ أنْ يتوب. فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذتُ رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت عائشة: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (١) .

فهذا الوعيد الشديد دلّ على فساد هذا العقد. وإلحاق هذا الوعيد بهذا الصنع الأكيد لا يَهْتَدِي إليه العقل، فدلّ ذلك على أنها قالته سماعاً.

وقال ابن الجَوْزِيّ: قالوا: العَالِيةُ امرأةٌ مجهولةٌ لا يُقْبَلُ خبرها. قلنا: بل هي معروفةٌ جليلة القدر ذكرها ابن سعد في «الطبقات». فقال: إنّ العالية بنت أنفع بن شُرَاحيل امرأة أبي إسحاق السَّبِيعِيّ سمعت من عائشة. وجعل في «مسند أبي حنيفة»: البائع إلى العطاء زيدَ بنَ أرقم، والمشتريَ بست مئةٍ المرأةَ. وهو في «سنن أبي داود» عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم (بالعِينَةِ) (٢) ، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه


(١) سورة البقرة، الآية، (٢٧٥).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط، وإثباته الصواب لموافقته لما في سنن أبي داود ٣/ ٧٤٠ - ٧٤١، كتاب البيوع والإجارات (٢٢)، باب [في] النهي عن العِيْنة (٥٤)، رقم (٣٤٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>