للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والرُّطَبُ بالرُّطَبِ، وَبالتَّمْرِ،

===

والجديد: أنه لا يجوز بيع الدقيق بالدقيق (كيلاً) (١) . وحكى البُوَيْطِي والمُزَنِيّ عن الشَّافعي جوازه، وهو مذهب أحمد. وقيّد بالكيل لأنّ بيع الدقيق بالدقيق وزناً لا يجوز، لأنّ الدقيق كيليّ، ولهذا لا يجوز بيع الحِنْطة بالدقيق وزناً، ولو كان وزنياً لجاز.

(و) جاز (الرُّطبُ بالرُّطَبِ) اتفاقاً (وَ) كذا التَّمْرُ بالتَّمْرِ والرُّطب (بالتَّمْرِ) وعكسه مِثْلاً بمثلٍ وهذا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز بيع الرُّطَب بالتَّمر، وهو قول مالك والشَّافعيّ وأحمد، لِمَا روى مالك في «المُوَطأ» عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سُفْيَان، عن زيد بن أبي عَيَّاش، عن سعد بن أبي وَقَّاص أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شِرى التّمر بالرُّطَبِ، فقال صلى الله عليه وسلم: «أينقص الرُّطَب إذ يَبِس»؟ قالوا: نعم. فنهاه عن ذلك. ومن طريق مالك رواه أصحاب «السنن الأربعة»، وقال الترمذيّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

فأفسد صلى الله عليه وسلم البيع، وأشار إلى أنّ العلّة النُّقصان عند الجفاف، وبه تبيّن أن شرط جواز العقد المماثلة في أَعدل الأحوال، وهو ما بعد الجفاف وذا لا يُعْرَفُ بالمساواة كيلاً في الحال، لأنّ قَفِيز الرُّطَب ربّما يصير نصف قفيز عند الجفاف. وكان ذلك كبيع الدّقيق بالحِنْطَة حيث لا يجوز للتّفاوت بعد الطَّحن. ولأبي حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم حين أُهْدِيَ له رُطَبٌ: «أَكُلُّ تمر خَيْبَر هكذا»؟ فسمّى الرُّطَب تمراً، كذا قيل. وهو إنما يتمّ في الجملة إذا كان المهدي رُطَباً، وليس كذلك بل كان تمراً، لِمَا في «الصحيحين» أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أَخا بني عَدِيّ الأنصاري، فاستعمله على خيبر. فَقَدِمَ بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال صلى الله عليه وسلم: «أَكُلُّ تمر خَيبرَ هكذا»؟ فقال: لا … الحديثَ.

وله أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عُبَادَة بن الصَّامت: «والتّمر بالتّمر مثلاً بمثلٍ، والملح بالملح مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» (٢) وذلك إنّ الرُّطَب إن كان تمراً جاز البيع بأوّل الحديث، وهو قوله: «التَّمر بالتَّمر»، وإن كان غير تمرٍ فبِآخِره وهو قوله: «إذا اختلفت هذه الأصنافُ، فبيعوا كيف شئتم».

وهذا حسنٌ في باب المُناظرة لدفع الخصم، كما قال أبو حنيفة حين دخل بغداد، وكانوا أشدّاء عليه لمخالفته الخبر، فسألوه فأجاب بما تقدّم فأورد عليه الحديث السابق، فقال: هذا الحديث دائرٌ على زيد ابن أبي عَيَّاشٍ، فهو مِمَّنْ لا يُقبل حديثه. وقد أُجِيبَ بأنّه على تقدير صحة السند فالمراد منه النسيئة، لِمَا في «سنن أبي


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) سبق تخريجه عند الشارح ص (٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>