للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويَطْلُبُهَا

===

دارك. فقال سعد: والله ما أبتاعُهما. فقال المِسْور: والله لتَبْتَاعَنَّهُمَا. فقال سعد: والله لا أزيدك على آربعة الآفٍ مُنجَّمةً أو مُقَطَّعَةً. قال أبو رافعٍ: لقد أُعْطِيتُ بها خمس مئة دينارٍ، ولولا أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الجارُ أحقُّ بِسَقَبِهِ» ما أعْطَيْتُكها بأربعة آلافٍ، وأنا أُعْطَى بها خمس مئة دينارٍ، فأعطاها إيّاه.

أجيب بأنّ هذا مُعَارَضٌ بما أخرجه النَّسائيّ وابن ماجه عن عمرو بن الشَّرِيد، عن أبيه أنّ رجلاً قال: يا رسول الله: أرضي ليس فيها لأحدٍ شِرْكٌ ولا قِسْمٌ إلاّ الجُوَار، فقال: «الجار أحقّ بِصَقَبهِ». وفي غريب الحديث: الصَقَبُ بفتحتين: ما قَرُب من الدَّار، والسين لغة في الصاد. وأُجِيبَ عن حديث جابر: بأنّ تخصيص ما لم يقسم بالذّكر لا يدلُّ على نفي الحكم عمّا عداه، وقوله: «إذا وقعت الحدود وصرفت الطُّرق فلا شفعة»، من كلام الرّاوي، فلا يكون حجةً في عدم استحقاق الشُّفعة للجار مع ما روينا من مرفوع الأخبار. ولو سلّم أنه من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم فمعناه: لا شفعة بسبب القسمة دفعاً لتوهم أنّ القسمة تثبت بها الشفعة كالبيع، لما فيها من معنى التمليك من كلّ واحدٍ من الشريكين للآخر.

وفي «معاني الآثار»: إن قيل: لِمَ أوْجَبْتَ الشّفعة على هذا الترتيب ولم تَجْعَلْهَا لهم جميعاً إذا حضروا وطلبوا؟ قيل: لأنّ الشّريك في المبيع خليطٌ فيه وفي الطريق، فمعه من أسباب الشفعة مثلما مع الشريك في الطريق، وسبب آخر ليس مع الشريك في الطريق (١) ، فكان أولى منه ومع الشّريك في الطريق شركةٌ فيها ومُلازَقةٌ (٢) للمبيع، ومع الجار ملازقة للمبيع فقط، فكان الشّريك في الطريق أولى من الجار. وفي «شرح مختصر القُدُورِيّ»: ولو سلّم الشريك في المبيع الشفعة وجبت للشريك في الطريق، فإن سلّمها وجبت للجار.

(ويَطْلُبُهَا) أي ويطلب الشفيع الشفعة لأنّها حقٌّ ضعيفٌ يبطل بالإعراض، فلا بدّ فيه من الطلب بما يفهم منه طلب الشُّفعة، ولو كان ماضياً في الأصحّ كـ: طلبت الشفعة إذا طلبها، أو: أنا طالبها، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر، والفقيه أبي الليث، والشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل، لأنّ الاعتبار للمعنى. وقال بعضهم: يقول: أطلب الشفعة وآخذها، ولا يقول: طلبتها وأخذتها. فإن قال ذلك بطلت شفعته لأنّ ذلك كذبٌ محضٌ. قلنا: يُذكر للحال عرفاً كبعت واشتريت.


(١) وهو اختلاط ملكه بالشيء المبيع. شرح معاني الآثار ٤/ ١٢٤.
(٢) في المخطوط ملازمة، والمثبت من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>