للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودَفْعُ نِصْفِهَا فِيْمَا يُقْسَم.

وضَمِنَ دَافِعُ الكُلِّ لا قَابِضُهُ. ولا اعتِبارَ للنَّهْي عن الدَّفْع إِلى مَنْ لا بُدَّ لَهُ مِنْ حِفْظِهِ، ولا عَنْ الحِفْظِ في بَيْتٍ مِن دَارٍ، إِلَّا أَنْ يكونَ به خَلَلٌ ظَاهِرٌ.

===

المالك رضي بيد كل منهما على كلها، لأَنه أَودعهما مع عِلْمه بأَنهما لا يجتمعان الليل والنهار على حفظها (ودَفْعُ نِصْفِهَا فِيْمَا يُقْسَم) لأَن المالك لما أَودعهما مع علمه أَنهما لا يقدران على ترك اشتغالهما ولا يجتمعان في مكان واحد للحفظ، كان راضياً لقسمتها، وحفظ كل واحد منهما للنصف دلالةً. والثابت بالدلالة كالثابت بالنص.

(وضَمِنَ دَافِعُ الكُلِّ) إِلى الآخَرِ عند أَبي حنيفة رحمه الله تعالى. وقالا: لا يضمن دافع الكل إِلى الآخَرِ فيما يحتمل القسمة، كما لا يضمن فيما لا يحتملها، لأَن المالك رضي بأَمانتهما. (لا قَابِضُهُ) أَي لا يضمن عند أَبي حنيفة رحمه الله تعالى قابضُ الكُلِّ لتعديه بالقبض، لأنه مودَع المُوِدع، ومودَعُ المودِع لا يضمن عنده (١) .

(ولا اعتِبارَ للنَّهْي) أَي لِنَّهْي رَبِّ الودِيعة المودَع (عن الدَّفْع إِلى مَنْ لا بُدَّ لَهُ) للمودَع (مِنْ حِفْظِهِ) كَأَنْ قال: لا تدفعها إِلى امرأَتك، أَوْ أَحَدٍ من عيالك، فإِن هذا الشرط مفيدٌ، إِذْ قد يأمن الإِنسان الرجل على ماله ولا يأَتمن عليه عياله، إِلاَّ أَنه إِنما يلزم مراعاته بحسب الإِمكان، فإِذا لم يكن الحفظ بدونه صار النَّهْي عن الدفع إِليه كالنَّهْي عن حِفْظِهِ، فكان مناقضاً لأَصله فيبطل، فلا يضمن إِذا هلكت، استحساناً. ويضمن في القِياس، لأَنه اسْتَحْفَظَ (مَنْ اسْتُحْفِظَ) (٢) منه، ويؤيد وجه القياس قوله تعالى: {ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} (٣) والمراد النِّساء، فإِذا كان هو منهياً عن دَفْع مال نَفْسه (٤) إِلى امرأَته، فما ظنك في مال غيره وَوَجْه الاستحسان ما تقدم، والله أَعلم.

(ولا) للنَّهْي (عَنْ الحِفْظِ في بَيْتٍ مِنْ دَارٍ) لأَن البيتين في دار واحدة قلما يختلفان في الحرز، فصار الشرط غير مفيد فلا يعتبر، كما لو قال: احفظها بيمينك دون يسارك، أَوْ: في هذه الصندوق في هذا البيت فحفظها في صندوق آخر (إِلاَّ أَنْ يكونَ به) أَي بذلك البيت الذي نهى عنه (خَلَلٌ ظَاهِرٌ) فإِنَّ النَّهْي معتبرٌ حينئذٍ، وكذا


(١) لمزيد تفصيل انظر "فتح القدير" ٧/ ٤٦٠ - ٤٦١.
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٣) سورة النساء، الآية: (٥).
(٤) في المطبوعة: نفس ماله، وما أَثبتناه من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>