أَي الرهن (قَبْلَ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ) خبر المبتدأ. أَما قَبْلَ العمل فَلِبقاء يد المرتَهِن قيبقى ضمانُه. وأَما بَعْدَ العمل فلارتفاع يد العاريَّة فيعود ضمانُهُ، وصار كالمرتَهن الخالص عن الإِذْن بالاستعمال. (و) إِنْ هلك (حَالَ عَمَلِهِ لا) يضمن، لثبوت يد العاريَّة بالاستعمال، وهي مخالفةٌ ليد الضمان.
(وصَحَّ استعارَةُ شيءٍ لِيُرْهَنَ) لأَن المالك رَضِي بِتعلق دين المستعير بماله، وهو يملك ذلك، كما يملك تعلُّقَه بذمته بالكَفَالة (١) ، ولأَن الرهن للاستيفاء، وللمالك أَنْ يأْذن للمستعير في إِيفاء دَيْنه. (فإِنْ أَطْلَقَ) المُعِيْرُ (أَوْ قَيَّدَ) بِقَدْرٍ، أَوْ جِنْسٍ، أَوْ مُرْتَهِن، أَوْ بَلَدٍ (يَجْرِي) الرَّهْن (عَلَيْهِ) أَي على الإِطلاق في المطلق، وعلى التقييد في المقيد، ففي الإِطلاق للمستعير أَنْ يرهن بالقليل والكثير بأَيِّ جِنْسٍ كان، لأَن الإِطلاق واجبُ الاعتبار خُصوصاً في الإِعارة، لأَنْ الجهالة فيها لا تُفضي إِلى المنازعة.
وفي التقييد «بالقَدْر» ليس للمستعير أَنْ يرهَن بأَكثر مِمَّا سَمَّى، إِذْ ربما لا يَرْضى المُعِيْرُ إِلاَّ بأَنْ يكونَ مِلْكُهُ محبوساً بما يتيسر قضاؤه عليه، أَوْ على المستعير دون ما يتعسر عليهما، ولا بأَقل مِمَّا سَمَّى، إِذْ ربما يكون غَرَضُ المُعِير أَنْ يصير المرتَهِنُ عند الهلاك مستوفياً للأَكثر، ليرجع هو على المستعير بذلك. وفي الأَقل مِمَّا سَمَّى يفوتُ ذلك الغرض فيكون مخالفاً فيضمن، إِلاَّ إِذا عَيَّن له أَكثر من القيمة فَرَهَنَهُ بأَقل وهو مِثْل القيمة فإِنه لا يضمن، لأَنه خالف إِلى خير، لأَن أَداء الأَقل أَيسر مِنْ أَداء الأكثر، وغَرَضُهُ من الرجوع عليه بالكثير حاصلٌ، لأَنه لا يرجع إِلاَّ بِقَدْر القيمة، لأَن الاستيفاء لم يقع إِلا به.
وفي التقييد «بالجنس» ليس للمستعير أَنْ يرهَن بجنسٍ غيرهِ، إِذْ قد يتيسر على المُعير أَداء جنسٍ دون جنس، وكذا لو سَمَّى له أَنْ يرهن من رجل بعينه ليس له أَنْ يرهن مِنْ غيره، لأَن الناس متفاوتون في الحِفْظ وأَداء الأَمانة. وكذا لو قال: ارهنه بالكوفة؛ ليس له أَنْ يرهَنه بالبصرة. لأَن الإنسان قد يرضى بأَنْ يكون مالُهُ في بَلَدٍ دون بلد، لأَن الأماكن تتفاوت في الحِفْظ.
(فإِنْ خَالَفَ) المُستعيرُ (وهَلَكَ) الرَّهن (ضَمِن) المستعير (القِيْمَةَ) أَي قيمة
(١) الكفالة: ضمُّ ذِمَّةِ الكفيل إِلى ذمَّة الأَصيل في المطالبة بالحق. معجم لغة الفقهاء ص ٣٨٢.