للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبِتَسْلِيْمه، حَيْثُ يُمْكِنُهُ مَخَاصَمَتُهُ،

===

بموته فيسقط إِحضاره عن كفيله، وبهذا قال أَحمد، وهو وَجْهٌ في مذهب الشافعي، والوجه الآخَر ـ وهو الأَصح في مذهبه ـ: أَنَّ الكفيل يطالَبُ بإِحضاره ما لم يدفن إِذا أَراد المكفولُ له إِقامةَ الشهادة على صورته. وهل يطالبَ بما عليه؟ فيه وجهان: أَصحهما لا يطالب، وبه قال أَصحابنا، وأَحمد والشعبي، وشُرَيْح، وحَمَّاد. وقال مالك، والليث: يلزمه ما عليه، وبه قال ابن شُرَيْح من أَصحاب الشافعي.

(وَ) براء الكفيل أَيضاً (١) من الكَفالة (بِتَسْلِيْمه) أَي تسليم الكفيل مَنْ كَفَل به إِلى المَفْكول له، وتسليم مَنْ يَقوم مقام الكفيل ـ وهو وكيله ـ، ومَنْ هو سفيرٌ عنه ـ وهو رسوله ـ كتسليم الكفيل، لأَن فعلهما كَفِعْلِهِ (حَيْثُ يُمْكِنُهُ) أَي في مكانٍ يمكن المكفول له (مَخَاصَمَتُهُ) أَي مخاصمة المكفول به، لأَنه أَتى بما التزمه، وهو تسليم المكفول به في مكانٍ يحصل فيه المقصود، ولا حاجة إِلى إِبقاء الكفالة، لأَنه لا يلزم تسليمه أَلاَّ مرةً واحدةً.

أَما لو سَلَّمه في بَرِّيةٍ أَوْ سَوَاد (٢) لم يبرأَ، لأَنه لا يقدر على المخاصمة فيها لعدم الحاكم. ولو سَلَّمه في السِّجن وقد حبسه غير الطالب لا يبرأُ الكفيل. وقال مالك: (يبرأُ. وقال) (٣) أَحمد: إِنْ كان في سجن القاضي الذي يرفع الحكم إِليه يبرأ وإِلا فلا. ولو سَلَّمه في مصرٍ آخر غير الذي عينه في الكفالة بَرِاءَ عند أَبي حنيفة وبعض أَصحاب أَحمد، ولم يبرأ عند أَبي يوسف ومحمد، وبه قال مالك والشافعي وأَحمد.

ثم التسليم يكون بالتخلية بينه وبين الطالب وذلك برفع الموانع. وبقوله له: سَلَّمْتُ إِليك بِحُكْم الكَفالة، حتى لو لم يقل ذلك لم يبرأ، لأَن التسليم قد يكون بغير حكم الكفالة، فلا بد مِنْ أَنْ يقول ذلك إِلاَّ إِذا سَلَّمه بعد الطلب، لدلالة الطلب على أَنْ التسليم بِحُكْم الكَفَالة. ولو سلم الكفيلُ المكفول به إِلى الطالب فأَبى أَنْ يقبله، يجبر على القبول، ويترك (٤) قابضاً بالتخلية، كالغاصب إِذا رَدَّ المغصوب أَوْ قيمته، والمديون إِذا قضى الدَّيْن.


(١) وفي المخطوط: الضامن.
(٢) حرِّفت في المطبوع إلى سوداء، والمثبت من المخطوط، وهو الصواب. والسواد في البلد: قراه، يقال: خرجوا إلى سواد المدينة: وهو ما حولها من القرى والريف، ومنه سواد العراف. "المعجم الوسيط" ص ٤٦١ مادة: (ساد).
(٣) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٤) في المخطوط: وينزل.

<<  <  ج: ص:  >  >>