(و) بَراءَ أَيضاً من الكفالة (بِتَسْلِيمه) أَي المكفول به (نَفْسَه) إِلى المكفول له (هُنَا) أَي حيث يُمَكَّن المكفول له مخاصمة المكفولِ به لحصول المقصود. ولا بد أَنْ يقول عند تسليم نفسه: سَلَّمت إِليك بِحُكْم الكفالة، لما قدمنا (وإِن شَرَطَ تَسْلِيْمَهُ عِنْدَ القَاضِي)«إِنْ» للوَصْل بالمسأَلتين السابقتين. وإِنما بَرِاء بالتسليم عند غير القاضي مع شرط التسليم عنده، لأَن المقصود هو التسليم على وجه يتمكن المكفول له من إِحضاره إِلى مجلس الحكم وقد وجد. وقيل: لا يبرأ في زماننا إِذا شَرَط تسليمَه في مجلس القاضي فسلم في غيره مما يمكن مخاصمته فيه، كالسوق، وهو قول زُفَر، وبه يُفْتَى، لأَن أَكثر النَّاس في زماننا يُعِينُون المطلوب على الامتناع من الحضور إِلى مجلس القاضي للعناد وغلبة الفساد، فكان التقييد بمجلس القاضي مفيداً.
(وإِنْ ماتَ المَكْفُول لَهُ) لم تَبْطُل الكَفالة (فَلِوَصِيِّه أَوْ وَارِثِهِ مُطَالَبَتُهُ بهِ) أَي مطالبة الكفيل بالمَكْفُول به، لأَن وَصِيَّهُ قائِمٌ مقامه في استيفاء حقوقه، ووارِثُه خليفتُه فيها، بخلاف الكفيل بالنفس حيثُ تَبْطُل الكفالة بموته، لأَن التسليم منه لا يمكن، ووارثه ووصيه لا يقومان مقامه إِلاَّ فيما له، والكفالة عليه.
(وإِنْ كَفَل بِنَفْسِه عَلَى أَنَّه) أَي الكفيل (إِنْ لم يُوَافِ بِهِ) أَي بالمكفول بنفسه إِلى الطالب (غَدًا فَعَلَيْهِ المَالُ) الذي على المكفول (صَحَّ) هذا العقد بما اشتمل عليه مِنْ كفالتي النفس والمال. وقال مالك والشافعي: لا يصح (فإِن لَمْ يُسَلِّم) الكفيل المكفول بنفسه إِلى الطالب (غَداً) مع قدرته (ضَمِنَ) الكفيل (المَالَ) لوجود الشرط، (ولَمْ يَبْرَأْ من كَفَالَتِهِ بالنَّفْسِ) إِذْ لا منافاة بين الكفالتين، ولهذا لو كفل بهما جميعاً صحت، وقد صحت الكفالة بالنفس فلا يبرأ منها إِلاَّ بالموافاة بها ولم توجد.
(وإِنْ مَاتَ) أَوْ جُنَّ (المَكْفُولُ عَنْهُ) اللام للعهد، والمعهود هو المكفول بنفسه الذي شرط كفيله أَنه إِنْ لم يواف به غداً فعليه ما عليه من المال، (ضَمِنَ) الكفيل (المَالَ) لتحقق الشَّرْط، وبرِاء من الكَفَالة بالنفس لموت المكفول بنفسه.