للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإما بالمال، فَتَصِحُّ وإِنْ جُهِلَ المَكْفوْلُ بِهِ إِذَا صَحَّ دَيْنُهُ، نَحْو: كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيهِ، أَو بِمَا يدْرَكُ في هذا البَيْعِ، أَوْ عَلَّقَ الكَفَالَةَ بِشَرْط مَلاِئم نحو: ما بايعت فُلانًا، أَو مَا ذَابَ لَكَ عَلَيهِ، أَو مَا غَصَبَكَ. وإِنْ عَلَّقَ بِمجَرَّدِ الشَرْطِ فَلا، كـ: إن هَبَّتِ الرِّيْحُ.

===

(وإِمَّا بِالمَالِ،) عَطْفٌ (١) على «إِمَّا بالنفس» (فَتَصِحُّ) الكفالة (وإِنْ جُهِلَ المَكْفُوْلُ بِهِ إِذَا صَحَّ دَيْنُهُ) قيد به احترازاً عن بدل الكِتابة (٢) ، لأَنه ليس بِدَيْنٍ صحيحٍ، لأَن الدَّيْن الصحيح لا يسقط إِلاَّ بالأَخْذِ أَوْ الإِبْرَاء، وبدل الكتابة يسقط بغيرهما: وهو عَجْزُ المكاتَب، أَوْ لِثُبُوْتِهِ في ذِمَّةِ المكاتَب مع المُنَافي، لأَنه عندما بَقِي عليه دِرْهَمٌ والمولى لا يستوجب على عبده دَيْنَاً إِلاَّ أَنه لحاجته إِلى العِتْق يثبت الدَّيْن، فكان ثَابِتَاً في حَقِّه لا في حق صِحَّة الكفالة. وقال الشافعي ـ في الجديد ـ والثوري، والليث، وابن أَبي لَيْلَى، وابن المُنْذِر: لا يصح ضمانُ المجهول، لأَن الضمان التزام مال فلا يصح إِذا كان المال مجهولاً، كالثمن في البيع.

ولنا قوله تعالى: {ولِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيْرٍ وأَنَا بِهِ زَعِيْمٌ} (٣) ، وحِمْلُ البعير يختلف باختلاف البعير (نَحْو: كفلت بِمَا لَكَ عَلَيْهِ) وهُوَ لا يعلم كم له عليه (أَوْ بِمَا يُدْرَكُ في هذا البَيْعِ) وهو لا يعلم ما يدركه فيه، وهذه كفالة الدَّرَك وهي جائزةٌ بالإِجماع. والدَّرَك: التبعة، يُسَكَّنُ ويُحَرَّك.

(أَوْ عَلَّقَ الكَفَالَةَ) عطف على «جهل المكفول به»، أَي وتصح الكفالة بالمال إِنْ عَلَّقها الكَفِيْل (بِشَرْطٍ مَلائِم نحو: ما بايعت فُلَانَاً) فَعَلَيَّ ثمنه (أَوْ مَا ذَابَ) أَي وجب وثبت، مُسْتَعَارٌ من ذَاب الشَّحْم (لَكَ عَلَيْهِ) أَي على فلان فَعَلَيّ (أَوْ مَا غَصَبَكَ) فُلانٌ فعليّ. قيد «بفلان» إِشارة إِلى أَنْ المكفولَ عنه يجب أَنْ يكون معلوماً، لأَن جهالته تمنع صحة الكفالة نحو: ما غَصَبَكَ أَحدٌ فَعَلِيّ. وقيد الشرط «بالملائم» لأَن غيرَه لا يصح تعليق الكفالة به، وفسروا الشرط الملائم بما يكون شرطاً لوجوب الحق: كإِن استُحِق المبيع، أَوْ شرطاً لإمكان الاستيفاء: كإِنْ قدِم زيدٌ، وهو مكفول عنه، أَوْ شَرْطَاً لِتَعَذُّرِ الاستيفاء: كإِنْ غاب عنِ البلد.

(وإِنْ عَلَّقَ) الكفيل الكفالة (بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ) أَي بِشَرْطٍ غير ملائم (فَلَا) أَي فلا تصح الكفالة ولا يجب المال، ذكره قاضيخان وغيره (كـ: إِنْ هَبَّتِ الرِّيْحُ) أَوْ: إِنْ جاء


(١) وهي الفقرة التي تقدم ذكرها ص ٤٩٤.
(٢) بَدَلُ الكتابة: اسم مصدر بمعنى المكاتَبة، وهي عَقْدٌ بين الرقيق ومالكه على مالٍ يؤدّيه الرقيق لِمَالِكه على أَقساطٍ، فإذا أَدَّاها فهو حُرٌّ. معجم لغة الفقهاء ص ٣٧٧.
(٣) سورة يوسف، الآية: (٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>