والقِصَاصِ) لأَن الكفالة إِنَّما تصح بما تَجْرِي النيابة في إِيفائه، والنيابة لا تَجْرِي في العقوبات، لأَن الغرض مِنْ شَرْعها زَجْرُ المفسدين عن الفساد، وهو لا يتحقق إِذا أُقيم على غير الجاني. (و) لا تصح الكفالة (بِالمَبِيع) عن البائع، لأَنه قبل القَبْض مضمونٌ بغيره، وهو الثَّمَن، أَلا ترى أَنه لو هلك لا يجب على البائع شيءٌ بل يُفسخ البيع، والمضمون بغيرِه مضمونٌ بِوَجْهٍ دون وجه، فلا تَصِحُّ الكفالة به للشَكِّ (بِخِلَافِ الثَّمَنِ) فإِنه تصح الكفالة به عن المُشْتَرِي، لأَنه دَيْنٌ كسائر الدُّيون.
(و) لا تصح الكفالة (بالمَرْهُوْنِ) لأَنه مضمونٌ بغيره، وهو الدَّيْن، يَسْقُط به إِذا هلك (والأَمَانَاتِ) لأنها غيرُ مضمونةٍ أَصْلاً (كالوَدِيْعَةِ، والعَارِيَّةِ، والمُسْتَأْجَرِ، ومَالِ المُضَارَبَة، والشَّرِكَةِ) وعند أَبي يوسف ومحمد العَيْنُ في يَدِ الأَجِيْر المُشْتَرَك مضمونةٌ، فتصح الكفالة بها عندهما (و) لا (بالحَمْلِ عَلَى دَابَّةٍ مُسْتأْجَرَةٍ لِلْحَمْلِ) معينةٍ، و (لا) بخدمة (عَبْدٍ كذا) أَي مُسْتَأْجَرٍ للخدمة مُعَيَّنٍ، لأَن الكفيل عاجِزٌ عن تسليم العبد والدَّابة، لكونهما مِلْك غيره. قيدهما «بالتَّعيين» إِذْ لو كانا غَيْرَ مُعَيَّنين صحت الكفالة فيهما، لأَن المستحق حينئذٍ الحَمْلُ على دابةٍ، وخدمةُ عَبْدٍ، ويقدر الكفيل على إِيفاء ذلك: بأَن يحمل على دابة نفسه، ويخدُم بِعَبْد نَفْسِه.
(و) لا تصح الكفالة (عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) أَي لم يترك مالاً ولا كفيلاً عنه وعليه دَيْنٌ، سواء كان الكفيل أَجْنبياً أَوْ وارِثاً، وهذا عند أَبي حنيفة. وقال أَبو يوسف، ومحمد، ومالك، والشافعي وأَحمد: تصح، لأَنه عليه الصلاة والسلام أُتي بِجَنَازَةِ أَنْصَارِي، فقال:«هَلْ على صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟» فقالوا: نَعْم، دِرْهَمَان، أَوْ دِيْنَارَان. فقال:«صَلُّوا عَلَى صاحِبِكُم». فقال أَبو قَتَادة: هو عليَّ ـ وفي روايةٍ: «هما عليَّ يا رسول الله، ـ فَصَلَّى عَلَيْه»(١) . ولو لم تصح الكفالة لَمَا صَلَّى عليه بعدها. ولأَنها كفالةٌ بِدَيْنٍ واجبٍ فتصح كما لو كانت في حياته، ولأَن الدَّيْن لا يسقط إِلاَّ بالإيفاء أَوْ الإِبراء، أَوْ انفساخ سبب الوجوب، وبالموت لم يتحقق شيءٌ من ذلك، ولهذا يؤاخذ به في الآخِرة، ولا يبرأُ كفيله في حياته بموته. ولو تبرع إِنسانٌ بقضائه صح.