للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ المُسَاقَاةِ

هِي دَفْعُ الشَّجَرِ إِلى مَن يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مِنْ ثمَرِهِ، وهِي كالمُزَارَعَةِ. وإِنَّما تَصِحُّ بلا ذِكْرِ المُدَّةِ، وَتَقَعُ عَلَى أَولِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ. وإِدْرَاكُ بَذْرِ الرَّطْبَة كَإدْرَاكِ الثَّمَرِ، وذِكْرُ مُدَّةٍ لا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا يُفْسِدُهَا،

===

كِتَابُ المُسَاقَاةِ

(هِي) لغةً: مفاعلة من السَّقْي.

وشرعًا: (دَفْعُ الشَّجَرِ إِلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزُءٍ) معلومٍ شائعٍ، كما في المزارعة. (مِنْ ثَمَرِهِ) أَي ما هو المقصود منه، فيتناول الرَّطْبَةِ والفُوَّة (١) والزَّعْفَران وغيرهما. وفي إطلاق الشجر دَفْعٌ لما ذهب إليه الشافعيُّ من أنَّ المساقاة مخصوصةٌ بالنَّخيل والكرم، لأن جوازها بالأَثر إنما ورد في النخل والكرم. ولنا أَنَّ جوازها للحاجة، وهي تَعُمُّ الكلَّ، ولأَن الأَصل في النصوص التعليل لا سيما على أصله، وتُسَمَّى أيضًا المعاملة بِلُغَةِ أَهل المدينة.

(وهِيَ كالمُزَارَعَةِ) في أَنها فاسدةٌ عند أَبي حنيفة رحمه الله، وجائزةُ عندهما، وهو قول ابن أبي ليلى، والفتوى على قولهما.

وشروطها عندهما شروط المزارعة، إلَّا أنَّها إذا امتنع أَحَدُهُمَا عن المُضِي يُجبر،

لأَنه لا ضرر عليه في المُضِيِّ، بخلاف المزارعة حيث لا يُجبر صاحب البَذْرِ. (وإنَّما

تَصِحُّ بلا ذِكْرِ المُدَّةِ) استحسانًا (وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ) لأن الإدراك الثمر وقتًا

معلومًا قَلَّما يتفاوت، [هذا] (٢) إذا لم تُعَيَّن المدة، لأن تَنَاوُلَ العقد أول ثمرة متيقن، وفيما وراءه شكٌ فلا يَثْبُت.

(وَإِدْرَاكُ بَذْرِ الرَّطْبَة) مبتدأَ خَبَرُهُ (كَإِدْرَاكِ الثَّمَرِ) فتصح المساقاة عليه بلا ذكر المدة، وتقع على أول رَطْبَة تخرج، لأن له نهايةَ معلومةَ، بخلاف الزرع لأن ابتداءه يختلف خريفًا وشتاءَ وربيعًا، والانتهاء مَبْنِيُّ على الابتداء فتفحُشُ الجهالة.

(وذِكْرُ مُدَّةٍ) يُتَيَقَّنُ أَنَّه (لا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيْهَا يُفْسِدُهَا) أَي المساقاة، للتيقن


(١) الفُوَّة: عُروق يُصبغ بها. مختار الصحاح، ص ٢١٦، مادة (فوا).
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>