للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَجَعْلُ الغَلَّةِ وَالوِلايَةِ لِنَفْسِهِ.

وَشَرْطُهُ أَنْ يَستَبدِلَ بِهِ

===

ولم يصحّ عند محمد، لأنّ أصل القبض عنده شرطٌ، فكذا ما يتمّ به. وهذا الخلاف فيما يحتمل القسمة، وأمّا ما لا يحتملها، كالحمّام فإن وقفه يجوز مع الشيوع، كالهبة والصّدقة، إلاّ في المسجد والمقبرة، فإنّه لا يتمّ مع الشيوع مطلقاً بالاتفاق، لأنّ بقاء الشّركة فيهما يمنع الخلوص لله تعالى.

وفي «الذَّخِيرَة» مشايخ بَلْخ أخذوا بقول أبي يوسف في وقف المُشَاع، ومشايخ بُخَارى أخذوا بقول محمد.

(وَ) صَحَّ عند أبي يوسف (جَعْلُ الغَلَّةِ) أي غلّة الوقف كلّها أو بعضها لنفسه، لأنّ المقصود من الوقف القُربة، وفي صرف الغلّة إلى نفسه ذلك. فقد ورد: «أنّ نفقة المرء على نفسه صدقةٌ» (١) ، ولا يصحّ على قياس قول محمد رحمه الله تعالى، وهو قول مالك والشّافعيّ، واختاره هلال.

وفي «فتاوى قَاضِيخَان»: ذكر الصَّدر الشهيد أنّ الفتوى على قول أبي يوسف ترغيباً للناس في الوقف. انتهى. وهو قول أحمد، وابن أبي ليلى، وابن شُبْرُمة، والزُّهْرِيّ، وابن شُرَيْح من أصحاب الشّافعيّ، وبه أخذ مشايخ بَلْخ. ويؤيّده أنّه إذا بنى خاناً (٢) ، أو سِقَايَةً، أو جعل أرضَه مقبرة وشرط أن يَنْزِل في الخان أو يَشْرَب من السِّقاية أو يُدْفن في المقبرة، فإنّه جائز اتفاقاً.

(وَ) صحّ عن الواقف جعل (الوِلَايَة) على الوقف (لِنَفْسِهِ) باتفاقهما، لأنّ شرط الواقف معتبر فيراعى كالنَّص، إلاّ أنه عند محمد يسلمه ثم يكون له الولاية، لأنّ التَّسليم شرط عنده، ولو لم يشترط الواقف الولاية لأحدٍ فهي له عند أبي يوسف. وقال محمد: لا تكون له بل للقاضي، لأنّه لمّا ترك الشرط في ابتداء الوقف خرج الأمرُ من يده وصار أجنبياً. ولأبي يوسف: أنّ المتولّي إنّما يستفيد الولاية من جهته بشرطه، ويستحيل أن لا يكون له ولايةٌ، وغيره يستفيد الولاية منه، ولأنّه أقرب النّاس إلى الوقف، فيكون أولى بولايته، كمن اتّخذ مسجداً فإنّه أولى بعمارته.

ولو شَرَطَ الولاية لنفسه وكان غير مأمونٍ على الوقف، فللقاضي أن ينتزعه من يده نظراً للفقراء، كما له أن يُخْرِج الوصي نظراً للضُّعفاء.

(وَ) صحّ عند أبي يوسف (شَرْطُهُ) أي شرط الواقف (أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ) أي


(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ٧/ ٣٩١، باب في الزهد (٧١)، رقم (١٠٧٠٩)، بلفظ: "نفقة الرجل على نفسه وأهله وصديقه وبهيمته له فيها أَجر".
(٢) الخان: الفُنْدُق، أو الحانوت، أو المتجر. المعجم الوسيط. ص ٢٦٣، مادة: (خان).

<<  <  ج: ص:  >  >>