للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرْضًا أخْرَى إِذَا شَاءَ، وَتَرْكُ ذِكْرِ مَصْرِفٍ مُوَبَّدٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ صُرِفَ إِلَى الفُقَرَاءِ.

وَصَحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْفُ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ، كَالْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ،

===

بالوقف (أرْضاً أخْرَى إِذَا شَاءَ) ويكون وقفاً مكانَه. والقياس أن لا يصحّ الوقف ولا الشرط، وهو قول الشّافعيّ وأحمد، لأنّه شرطٌ منافٍ لمقتضى الوقف فكان إبطالاً له. ووجه الاستحسان: أنّ فيه تحويلَ الوقف إلى ما يكون خيراً منه أو مثله، فكان تقريراً للوقف لا إبطالاً له، واختاره الخصَّاف وهلال.

ولو باعه بغبنٍ فاحشٍ لا يصحّ في قول أبي يوسف وهلال. وعند محمد وأهل البَصْرة، وهو وجهٌ عن أحمد: أنّ الشرطَ باطلٌ، والوقف جائزٌ، لأنّ هذا شرط يمنع من زوال الملك قربةً إلى الله تعالى، ويتمّ الوقف بدونه فكان فاسداً، كما لو شرط أن يصلّي في المسجد قومٌ دون قومٍ، فإنّ الشّرط باطلٌ، ووقف المسجد صحيحٌ. وأمّا إذا لم يشرطه الواقف، لا يملكه إلاّ القاضي العالم العامل إذا رآه مصلحةً لئلا يتطرّق إلى أوقاف المسلمين جَوْر قضاة (السُّوء، كما هو الغالب على قضاة) (١) زماننا.

وفي «شرح الوقاية»: لا منافاة بين صحة الوقف وبين الاستبدال عند أبي يوسف، فإنّه يجوز الاستبدال في الوقف من غير شرط إذا ضَعُف عن الرَّيع (٢) . ونحن لا نُفْتِي به فقد شاهدنا في الاستبدال من الفساد ما لا يُعدّ ولا يُحْصَى.

(وَ) صَحَّ عند أبي يوسف (تَرْكُ ذِكْرِ مَصْرِفٍ مُوَبَّدٍ) بأن ذكر جهةً تنقطع، وبه قال مالك والشّافعيّ في قولٍ وأحمد. في روايةٍ، (فَإِذَا انْقَطَعَ صُرِفَ إِلَى الفُقَرَاءِ) وبه قال مالك وأحمد في روايةٍ، والشّافعيّ في قولٍ. وله قول آخر: يُصْرَفُ إلى أقارب الواقف المحتاجين، وهو رواية عن أحمد. وعن أحمد: يوضع في بيت المال.

وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يصحّ الوقف حتّى يَذكُرَ مصرفاً مؤبّداً. وقيل: التَّأبيد شرطٌ بالاتفاق، إلاّ أنّ أبا يوسف لا يشترطُ ذكر التأبيد لأنّ لفظة الوقف والصدقة مُنْبِئَةٌ عنه، ومحمد يشترط لأنّ الوقف صدقةٌ بالمنفعة أو بالغلَّة، وذلك قد يكون مؤقتاً وقد يكون مؤبّداً، فمطلقه لا ينصرف إلى المؤبّد. وفي «المُحيط»: لو قال: أرضي هذه صدقةٌ موقوفةٌ، أو محررةٌ، أو محبوسةٌ ولم يذكر التَّأبيد صَحَّ الوقف عند الكلّ.

(وَصَحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْفُ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ كَالْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ) من كتب العلم وغيرها، كالفأس، والقَدُوم، والمِنْشَار، والقِدْرِ، والجِنَازة (٣) وثيابها وما يُحتاج


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) الرّيع: المرجوع والغلة. المعجم الوسيط. ص ٣٨٦، مادة: (راع).
(٣) الجنَازة: الميت على السَّرير، فإذا لم يكن عليه الميت فهو سريرٌ ونعشٌ. مختار الصحاح ص ٤٨، مادة: (جنز)، والمعنى الثاني هو المقصود.

<<  <  ج: ص:  >  >>