للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يَمَسُّ هؤلاء مصحفًا إِلا بغِلافٍ متُجَافٍ. وكُرِهَ بالكمّ. ولا دِرهمًا فيه سُورة إِلا بِصُرَّة

===

(ولا يَمَسُّ هؤلاءِ) أي الحائضُ، والنُّفَساءُ، والجُنُبُ، والمُحْدِثُ (مصحفاً) لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إلا المطهَّرون} (١) . ولقوله صلى الله عليه وسلم «لا يَمَسُّ القرآنَ إلا طاهر». رواه أبو داود (٢) . ولِمَا روى الحاكم في «المستدرك» وصحَّحه عن حَكِيم بن حِزام قال: لَمَّا بَعَثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَن قال: «لا تَمسَّ القرآنَ إلا وأنت طاهر». (إِلا بغِلافٍ مُتَجافٍ) أي منفصلٍ نحوِ الخَرِيطة (٣) ، لأنَّ المنفصِلَ عنه لا يكون تبعاً له. وفي «البخاري» عن أبي وائلٍ أنه كان يُرسِلُ خادِمَهُ وهي حائض إلى أبي رَزِينٍ لتأتيَه بالمصحف فتُمسِكَ بعِلاقته (٤) .

(وكُرِهَ) أي المَسُّ (بالكُمّ) أي بشيءٍ من الثوب الذي على الماسِّ، لأنه تَبَعٌ له فلا يَصيرُ حائلاً بينه وبين المصحف. ولهذا لو حلَفَ لا يَجلِسُ على الأرض فلَبِسَ ثوباً وجلَسَ على ذيله على الأرض يَحنث. وفي «النوادر»: أنه لا بأسَ به لأنَّ المحرَّم المسُّ وهو اسمٌ للمباشرةِ من غير حائل.

وكُرِهَ لهم أيضاً مَسُّ التفسير، وكتبِ السُّنَنِ، والفقهِ، لأنها لا تخلو عن آيات (٥) . ولا بأسَ بمسِّها بالكُمّ بلا خلاف. وفي «فتاوى أهل سمرقند»: يُكرَهُ لهم أن يكتبوا كتاباً فيه آية، لأنَّ الكتابة بالقلم وهو في اليد. وذكَرَ أبو الليث أنهم لا يكتبون، وإن كانت الصحيفةُ على الأرض (٦) والمكتوبُ دون آية، وذكر القدوري: أنه لا بأسَ بالكتابة إذا كانت الصَّحيفةُ على الأرض. وقيل: هو قولُ أبي يوسف. وكَرِهَ بعضُهم دفعَ المصحفِ أو اللوحِ الذي عليه القرآنُ مكتوبٌ إلى الصبيّ إذا كان مُحدِثاً، والصحيحُ: أنه لا بأسَ به، لأنَّ في تكليفهم بالطهارة حرجاً.

(ولا دِرهماً) أي مَثَلاً فيَشمَلُ ديناراً ونحوَه، عطفاً على مصحفاً (فيه سُورة) أي شيءٌ من القرآن آيةٌ أو أكثر. قال المصنِّف: وإنما قيل: سُورةٌ لأنَّ الغالبَ كَتْبُ نحو سورةِ الإِخلاص على الدراهم (إِلا بصُرَّة) أي مِنْ هِمْيانٍ (٧) وغيرِه لأنها بمنزلةِ غلافٍ


(١) سورة الواقعة، آية: (٧٩).
(٢) في "المراسيل" ص ١٢١، حديث رقم (٩٢).
(٣) الخريطة: وعاء من آدَمٍ - جلد - وغيره. القاموس المحيط ص ٨٥٨، مادة (خرط).
(٤) أي الخيط الذي يعلق به كيس المصحف.
(٥) هذا قول الصاحبين، أما قول الإِمام فلا يكره. انظر رد المحتار ١/ ١١٨ - ١١٩.
(٦) أي إذا وضع على الصحيفة ما يحول بينها وبين يده.
(٧) الهِمْيان: شِداد السراويل - حزام - ووعاء الدراهم. القاموس المحيط ص ١٧٣٥، مادة (همى).

<<  <  ج: ص:  >  >>