للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإنْ أكَلَ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلاثًا، تَبَيَّنَ جَهْلُهُ. وَلا يُؤْكَلُ مَا قَدْ صَادَ وَبَقِيَ في مِلْكِهِ، وَلا مَا بِصَيْدِهِ حَتَّى يَتَعَلَّمَ.

وَشَرْطُ الحِلِّ بِالرَّمْيِ التَّسْمِيَةُ، والجَرْحُ، وأَنْ لا يَبعُدَ عَنْ طَلَبِهِ إِنْ غَابَ مُتحَامِلًا سَهْمَهُ،

===

(فَإِنْ أكَلَ) الكلب (بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثاً تَبَيَّنَ جَهْلُهُ) عندهما (وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَدْ صَادَ) قبل أكله (وَبَقِيَ في مِلْكِهِ) أي ملك مالكه من الصائد وغيره، سواء لم يكن مُحرزاً بأن كان في المفازة (١) بعدُ، وهذا بالاتفاق، أو كان محرزاً، وهذا عند أبي حنيفة. وأمّا عندهما: فيؤكل، لأنّ الأَكل لا يدلّ على الجهل فيما تقدّم، لأنّ الحرفة تُنْسَى بخلاف غير المحرز، لأنه صيدٌ من وجهٍ لعدم الإحراز، فَحَرُم احتياطاً.

ولأبي حنيفة: أنّ أكل الكلب علامة الجهل من الابتداء، لأن الحرفة لا تُنْسى أَصْلُها، فإذا أكل تبين أنه إنّما كان ترك الأكل للشِّبع لا للتعلّم. ولو شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه حلّ، لأنّه ممسك عليه، وهذا غاية علمه حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه، وأمسك عليه ما يصلح له.

(وَلَا) يؤكل (مَا يَصَيْدُهُ) الكلب (حَتَّى يَتَعَلَّمَ) فإذا ترك ثلاثاً لا يؤكل الأول ولا الثاني اتفاقاً، ولا الثالث عندهما خلافاً لأبي حنيفة. وأمّا إن أكل البازي ونحوه منه فلا يَحْرُم اتفاقاً لما رُوِيَ عن ابن عبّاس في البازي: يَقْتل الصيد، ويأكل منه قال: كُلْ.

(وَشَرْطُ الحِلِّ) مبتدأ (بِالرَّمْيِ) أي بالحادِّ، وهو متعلّق بالحِلّ والخبر (التَّسْمِيَةُ) وهذا عندنا، وبه قال مالك. وذلك لأنّ الرمي، كالذبح لكون السهم آلةً، ولقوله عليه الصلاة والسلام لِعَدِي: «إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن وجدته قد قتل فكُلْ، إلاّ أن تجده قد وقع في ماءٍ». رواه الشيخان وزاد مسلم: «فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك»؟

(والجَرْحُ) أي وشرط حلِّه بالجراحة ليتحقق معنى الذكاة (وَأَنْ لَا يَبْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ إِنْ غَابَ) الصيد حال كونه (مُتَحَامِلاً سَهْمَهُ) لِمَا روى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه»، والطَّبَرانيّ في «معجمه»، عن أبي رَزِين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصيد يتوارى عن صاحبه قال: «لعلّ هوامَّ الأرض قتلَتْه».

وروى عبد الرَّزَّاق نحوه عن عائشة مرفوعاً بلفظ: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بظبْيٍ قد أصابه بالأمس وهو ميت فقال: يا رسول الله عرفت فيه سهمي، وقد رميته


(١) المفازة: الصحراء. المعجم الوسيط ص ٧٠٦، مادة: (فاز).

<<  <  ج: ص:  >  >>